التغذية الصحية

مرض السيلياك ما هو وهل هو مرض خطير إليك التفاصيل

بقلم د . مجدي راشد

كانت معاناة جارتنا أم رحمة هي سبب اهتمامي بالبحث في مرض السيلياك وأعراضه وكيفية تشخيصه وحساسية القمح والحمية الخالية من الجلوتين، كل هذه المصطلحات كانت غريبة على أم رحمة ومن حولها وكانت بعيدة عن تخصصي. 

ظهرت على رحمة في مرحلة مبكرة من عمرها أعراض مثل الإسهال والانتفاخات، ومع تقدمها في العمر بدأت الأعراض تزيد، وأصبح الإسهال مزمن؛ يتخلله في بعض الأحيان إمساك، وانتفاخ، ومغص، وحرقة في المريء، وطفح جلدي. 

احتار أطباء الأطفال في تشخيص الحالة وكان علاجهم يعتمد على تخفيف الأعراض، ومع تقدمها في العمر؛ زادت الأمور تعقيداً فبدأت تعاني من آلام في العظام والمفاصل، وتعرق أثناء النوم، وتساقط الشعر، وتقلبات مزاجية ونوبات عصبية

لم يكن نمو رحمة بعد بلوغها سن المدرسة مثل قريناتها في نفس العمر، نَصحْتُ أم رحمة بالذهاب إلى صديقٍ لي وهو طبيب أمراض باطنة، وكان يهتم بأمور التغذية أثناء متابعة علاج مرضاه، توقع الطبيب تشخيص معين (حساسية القمح) ، وطلب بعض التحاليل وسأل أم رحمة عن أسلوب تغذية رحمة منذ أن بدأت في تناول الأطعمة الصلبة، وكان له ملاحظات على أسلوب تغذية الرضيع وبداية إدخال الأطعمة الصلبة في طعامه، فيجب ألا يتناولها قبل الشهر السادس من العمر خاصة التي تحتوي على مادة الجلوتين الموجودة في القمح والشعير والجاودار والشوفان. 

طلب الطبيب من أم رحمة أن تمتنع رحمة عن أكل أي منتجات مخبوزة بدقيق القمح فقط لمدة أسبوعين، ومراقبة حالتها، قلّت الأعراض بصورة قليلة فقط ولكن لم تختفِ، صارحني الطبيب بشكوكه حول إصابتها بمرض السيلياك وهو مرض كان نادراً ولكنه بدأ في الانتشار في السنوات العشر الأخيرة نتيجة لتغير نمط التغذية وأساليب تصنيع المواد الغذائية. 

طلب الطبيب تحليل دم يُعرف بتحليل السيلياك  tTG-IgA  لفحص الأجسام المضادة ضد إنزيم Transglutaminase)  tTG) في الأمعاء والمسؤول عن تكسير مادة الجلوتين، مع الالتزام بضرورة استمرار تناول الأغذية المحتوية على الجلوتين خلال الفترة التي تسبق إجراء التحليل. 

كانت نتيجة تحليل السيلياك موجبة مما يعني إحتمالية الإصابة بنسبة كبيرة، وقال أنه مضطر لعمل فحص بالمنظار وأخذ خزعة من الجزء المنتفخ بين المعدة والإثنى عشر للتأكد من تشخيص الإصابة بمرض السيلياك بما لا يدع مجالاً للشك، يحتاج هذا الفحص إلى تخدير جزئي بالنسبة للكبار وتخدير كُلّي بالنسبة للأطفال ويستغرق أقل من نصف ساعة، وبعد فحص العينة تأكد إصابة رحمة بمرض السيلياك وكانت صدمة الأم كبيرة لجهلها بهذا المرض، وسألت: هل مرض السيلياك خطير؟

طمأن الطبيب الأم وقال لها أنه ليس خطيراً إذا اتبعنا التعليمات، وأن حالة رحمة سوف تتحسن كثيراً باتباع نمط غذائي خال من الجلوتين، وشرح لها الحالة بأسلوب علمي مُبسّط، لأن مريض السيلياك يجب أن يكون عنده ثقافة بمرضه هو والمحيطين به فقال:

  • مادة الجلوتين يا أم رحمة هي نوع من البروتينات؛ توجد في القمح والشعير والجاودار وجميع منتجاتهم بصورة أساسية، وهي المادة المسؤولة عن إعطاء القوام المطاطي للعجائن والهشاشة للمخبوزات.
  • لا يقتصر وجود الجلوتين على الحبوب المذكورة؛ ولكن يوجد في معظم الحبوب مثل الشوفان والبرغل والسميد والجريش عن طريق تلوثها بغبار وبقايا طحن القمح والشعير.
  • وهناك أيضا قائمة بالمنتجات المتوفرة في الأسواق، والتي تحتوي على مادة الجلوتين بصورة مخفية؛ سوف يوضحها لك أخصائي التغذية، ويوضح لك كيفية قراءة المكونات على المنتجات، حيث ألزمت مُعظم الدول الشركات المنتجة بكتابة هذا المُكوِّن، ووضع شعار معروف يوضح خلوه من مادة الجلوتين، حتى المنتجات الجلدية من الكريمات وأدوات التجميل أيضًا.
مرض السيلياك خالي من الجلوتين
صورة توضح شعار خالي من الجلوتين
  •  مرض السيلياك هو مرض مناعي ذاتي مزمن (وليس نوع من أنواع الحساسية)، ويحتاج إلى نظام غذائي صارم خالٍ من الجلوتين وكثيرا مايلتبس على البعض أنه حساسية قمح، ولكن الفارق كبير سوف يشرحه لك أخصائي التغذية.
  • ما يحدث ببساطة عند تناول الأطعمة المحتوية على الجلوتين أن الجهاز المناعي لمرضى السيلياك يتعامل مع هذا البروتين على أنه جسم غريب، ويُفرز أجسام مضادة تُهاجم إنزيم (tTG) المسؤول عن تكسير مادة الجلوتين، وتُهاجم هذه الأجسام المضادة أيضا النتوءات المُبطنة لجدار الأمعاء والمسؤولة عن زيادة سطح الامتصاص؛ مما يؤدي إلى تآكل هذه النتوءات وتسطح جدار الأمعاء، فتقل كفاءة امتصاص العناصر الغذائية بدرجة كبيرة مما يتسبب في سوء التغذية، والتقزم عند الأطفال إذا تأخر تشخيصه، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وفقر الدم وهشاشة العظام وغيرها من المشاكل الصحية.

وهذه صورة توضح لكِ الفرق بين بطانة الأمعاء الطبيعية والمصابة بمرض السيلياك:

بطانة الامعاء السليمة والمصابة بالسلياك

سألت أم رحمة الطبيب: هل تعود بطانة الأمعاء إلى حالتها الطبيعية؟ وهل هناك علاج دوائي لها؟

الطبيب: نعم بإذن الله، تعود بطانة الأمعاء لطبيعتها بعد الالتزام بالنظام الغذائي الخالي من الجلوتين، ولا تحتاج هذه الحالة إلى علاج دوائي إلا بعض المكملات مثل الكالسيوم والحديد، فقط نظام غذائي خاص، لذلك سوف أُرسلِك إلى أخصائي تغذية حتى يُرشدك إلى الممنوع والمسموح من الأطعمة، وكيفية قراءة المكونات عند التسوق حتى تتأكدي من خلوها من الجلوتين. 

شكرت أم رحمة الطبيب وبدت عليها علامات الاطمئنان والرضا بعد شرح الطبيب، وكانت رحمة رغم صِغر عمرها تتابع الحديث باهتمام على أمل أن تنتهي معاناتها وتمارس حياتها الطبيعية.

في الحلقة القادمة سوف تقوم رحمة بزيارة أخصائي التغذية، ونعرف كيف تقبلت رحمة هذا النظام الغذائي كنمط حياة مستمر. 

السابق
زراعة الاسنان. المميزات وأنواع غرسات الأسنان وكم تكلف
التالي
الحمل خارج الرحم يعرضك للخطر تعرفي على أسبابه