التغذية الصحية

ما هي البكتيريا النافعة.. وما هي فوائدها ومصادرها؟

بقلم د. مجدي راشد
البكتيريا النافعة

عندما يُولد الطفل يكون جهازه المناعي غير مُكتمل، وتكون معدته خالية من البكتيريا النافعة التي تقوم بدور هام في حمايته، يحصل الطفل على أول دفعة من البكتيريا النافعة من حليب الأم الغني بهذه البكتيريا والتي يُطلق عليها أيضا باللاتينية البروبيوتيك (Probiotics)؛ ولفظ البروبيوتيك يعني بالإنجليزية (For Life) أي (من أجل الحياة)، وتستعمر هذه البكتيريا النافعة الأمعاء من وقت الحصول عليها من حليب الأم، وتكون بالمليارات (يفوق عددها عدد البشر الذين سكنوا الأرض منذ نشأتها إلى يومنا هذا). 

فما هو دور هذه البكتيريا النافعة الذي جعلها تتواجد في حليب الأم؟ خاصًة في بداية الرضاعة الطبيعية (3 – 4 أيام)؛ وهو ما يُعرف في مصر (حليب السرسوب)، أو (حليب اللّبأ) كما يُطلق عليه في بعض دول الخليج، ونظراً لكثافة محتواه من البروتين فإن حليب السرسوب عالي اللزوجة؛ ذو لون مصفر غني بالبروتينات والأملاح وفقير إلى الدهن والكازيين، ويتدفق ببطء شديد (مما يُمَكِّن الطفل الرضيع من تعلم التوافق بين المص والبلع والتنفس)، ويحتوى على العديد من مضادات البكتيريا والمواد المدعمة، والبروبيوتيك.

توجد في أمعائنا أنواع كثيرة من البكتيريا؛ منها الضارة ومنها النافعة في حالة توازن بحيث تُمثل البكتيريا النافعة في الشخص السليم نسبة (85%)، والبكتيريا الضارة (15%)، وإذا اختل هذا التوازن (نتيجة لعدة عوامل سوف نذكرها)؛ تتكاثر البكتيريا الضارة وتُفرز سموم تُدمر بطانة الأمعاء وتسبب تعفن وإسهال والتهابات وانتفاخ ونفس كريه، واكتئاب (95% من السيروتونين المسؤول عن تحسُّن المزاج تُنتج في المعدة)، ونتيجة لتدمير جدار الأمعاء يحدث تسريب في الأمعاء (Leaky gut)، مما يتسبب في مرور الجراثيم والسموم، وكذلك جزيئات الطعام الكبيرة إلى الدم قبل إتمام هضمها من خلال ثقوب الأمعاء المُسرِّبة (مثل البروتين يُمتص في مرحلة البيبتيدات قبل التحول إلى أحماض أمينية)، ويحدث التهاب ويتعامل جهاز المناعة معها كجسم غريب، مما يؤدي إلى خلل في جهاز المناعة ويُهاجم أنسجة الجسم مُسبّبًا العديد من الأمراض المناعية مثل مرض السيلياك، والسكري، والروماتويد، والربو، وبعض الأمراض الجلدية مثل الصدفية، وقد تصل إلى بعض أنواع السرطانات.

يوجد لدى الإنسان مستودع احتياطي للبكتيريا النافعة، وهو الزائدة الدودية إذ تكون محمية جزئيًا وتعوِّض نقص البكتيريا النافعة عند حدوث نقص.

تأتي 80% من المناعة من الجهاز الهضمي، وتلعب البروبيوتيك الموجودة في الأمعاء دور كبير في تشكُّل هذه المناعة.

لا يقتصر وجود البكتيريا بأنواعها النافعة والضارة على الأمعاء، لكنها تعيش معنا في أنحاء جسدنا بأعداد تفوق عدد خلايا أجسادنا آلاف المرات (في حالة توازن عند الأصحاء)، على الجلد والأغشية المخاطية في الفم والحلق والأنف والأعضاء التناسلية، إذ يكتسب المولود هذه البكتيريا من مهبل الأم عند الولادة الطبيعية ثم من ملامسة جلد الأم، وفي حالة الولادة القيصرية يكتسبها من البيئة المحيطة وطاقم التمريض والأطباء، ويكتسبها بعد ذلك من تفاعله مع البيئة المحيطة عندما يبدأ في الزحف ولعق يده وألعابه، ثم يتركز حصوله عليها عندما يبدأ في تناول الأطعمة الصلبة من طعامه والمُخالطين من إنسان وحيوان وتُربة.

على سبيل المثال نجد نوع من البكتيريا النافعة في مهبل المرأة تُسمى لاكتوباسيلاس (Lactobacillus)؛ تحافظ هذه البكتيريا على حامضية وسط المهبل لمنع تكاثر بعض أنواع البكتيريا الضارة والفطريات الموجودة بصورة طبيعية، وفي حالة الإكثار من تناول المضادات الحيوية التي تقضي على البكتيريا ولا تُفرق بينها؛ تتكاثر هذه الفطريات (التي لا تتأثر بالمضادات الحيوية) في غياب البكتيريا النافعة، وهذا يُفسر إصابة بعض النساء بعدوى فطرية بعد تناول كورس المضاد الحيوي.

يرتبط سلوك البكتيريا النافعة بوجودها في الوسط المناسب لها، فتجد أنها تحافظ على حيوية الجلد وتُنافس البكتيريا الضارة التي تهاجمه؛ طالما هي موجودة على الجلد، ولكن عند حدوث جرح أو إصابة في الجلد تُصبح ضارة (تُحدث عدوى) عند دخولها إلى مجرى الدم وخلايا الجسم، ويبدأ جهاز المناعة في التعامل معها فتحدث التهابات بأعراضها المعروفة من تورم واحمرار وألم مع حرارة، وتحدث العدوى منها أيضًا في الأغشية المُخاطية للأنف والفم عند جرحها أو أثناء العمليات الجراحية مثل عمليات الأسنان.

ومن ناحية أخرى يُساهم تراكم البكتيريا بكثرة بالفم في تسوس الأسنان وتراجع اللثة، ويحدث هذا نتيجة إهمال تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون (مرتين يوميًا لمدة ثلاث دقائق)؛ والتصاق الطعام بسطح السن خاصةً في وجود جير الأسنان، ونوعية الأكل خاصةً المحتوي على سكر مثل الحلويات والكيك وغيرها من الأطعمة التي تزيد من حامضية وسط الفم المناسبة لتكاثر البكتيريا الضارة.

تُنتج البكتيريا النافعة الموجودة في الأمعاء فيتامين ب12 وفيتامين ك، وهما من الفيتامينات التي لا تستطيع خلايا جسم الإنسان إنتاجهما.

البكتيريا النافعة

كيف نحافظ على البكتيريا النافعة في أجسامنا؟

  • تجنب الاستخدام العشوائي للمُضادات الحيوية التي لا تُفرّق بين أنواع البكتيريا، وتُخل بتوازنها بصورة ضارة، ونلاحظ آثارها السلبية مثل تكرار العدوى وظهور قُرح بالفم، واضطرابات في الجهاز الهضمي.
  • تجنب الاستخدام المُبالغ فيه لمضادات الحموضة وما يترتب عليه من التأثير على درجة حموضة المعدة التي تُعد من وسائل حماية الجهاز الهضمي من الجراثيم الضارة مثل جرثومة المعدة؛ والتي تُعد من أهم أسباب الإصابة بقرحة المعدة والاثنى عشر.
  • تجنب استخدام المُطهرات، والكحول، وصابون الديتول بصورة منتظمة أو مبالغ فيها على الجلد؛ إلا في حالات الضرورة وقد خرجت توصيات بذلك من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية.
  • تجنب الأطعمة التي تُغذي البكتيريا الضارة وتُهيء لها وسطًا للتكاثر؛ مثل السكريات والدقيق الأبيض، واللحوم المُصنعة مثل الهوت دوج والسجق واللانشون، والزيوت المُهدرجة والمقليات مثل الشيبسي التي تزيد من الالتهاب في الجسم وتُسبب مشاكل للجهاز المناعي.
  • تناول الأطعمة الطبيعية التي تخرج من الأرض بصورتها الطبيعية غير المُعالجة، والتي تُعد من مُغذيات البكتيريا النافعة وتُسمى (Prebiotics)، مثل الأطعمة الغنية بالألياف الذائبة وغير الذائبة مثل الخضروات الطازجة خاصة الورقيات مثل السبانخ والهندباء (السريس بالمصري أو الشيكوريا) والخضروات مثل الكرنب والبنجر والفجل…، والفاكهة خاصةً الحمضيات والتي تُعد أيضًا من مضادات الأكسدة، والحبوب الكاملة، والبقول بقشرتها مثل العدس والحمص والفاصوليا…

فوائد البكتيريا النافعة

  • مُحاربة البكتيريا الضارة والفطريات، وإحداث توازن بينها لتجنب تكاثرها بصورة ضارة؛ مما يتسبب في مشاكل خاصةً في الجهاز الهضمي، وأمراض مناعية عديدة.
  • إنتاج فيتامين ب12 وفيتامين ك؛ وهما من الفيتامينات التي لا تستطيع خلايا الجسم إنتاجهما.
  • تحفيز الجهاز المناعي(80% من المناعة تأتي من الجهاز الهضمي).
  • تحسين الحالة النفسية (95% من السيروتونين المسؤول عن تحسُّن المزاج تُنتج في المعدة).
  • هضم الطعام وزيادة الامتصاص.
  • تحمي من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

أعراض نقص البكتيريا النافعة

  • زيادة الغازات والشعور بالامتلاء وكثرة التجشؤ.
  • عُسر الهضم، وسوء الامتصاص.
  • رائحة الفم الكريهة وحدوث قُرح بالفم.
  • اضطرابات بالجهاز الهضمي تتراوح بين إسهال وإمساك.
  • القلق والاكتئاب، إذ يُطلق على الأمعاء العقل الثاني (Second Brain)؛ وذلك لكثرة النهايات العصبية فيها والتي تتواصل مع الدماغ.
  • التهاب المفاصل الروماتويدي نتيجة لزيادة البكتيريا الضارة (كما أظهرت بعض الأبحاث).

ما هي المصادر الطبيعية للبكتيريا النافعة

  • الزبادي كاملة الدسم خاصةً المصنوعة في المنزل، وكذلك الحليب الرائب (ويُسمى في دول الخليج اللبن) ويسمى في مصر اللبن الرائب.
  • الخضروات المُخمَّرة أو ما يُعرف في مصر بالمخلل، مثل الكرنب والبروكلي المخلل، ويتم تخليله بتقطيعه وكبسه جيدًا في برطمانات زجاجية لتقليل الهواء ثم إضافة الماء والملح فقط بدون خل.

البكتيريا النافعة هي صديقة لنا تحمينا من العديد من الأمراض، ويجب علينا بالتالي أن نحميها ونحافظ عليها ونتعايش معها بالعادات الغذائية السليمة والصحية، وتجنب العادات والأطعمة الضارة، وتجنب التدخين الذي يرتبط بمعظم الأمراض الخطيرة التي تُصيبنا، للمزيد عن العادات والأطعمة الصحية تابعونا في أسرة وطب.  

السابق
كفتة الأرز وأسرارها..إليك الطريقة ونصائح هامة لنجاحها
التالي
الأنيميا | ما هي؟ أنواعها وأسبابها، دليلك المختصر