قصور الغدة الدرقية.. كل ما تريد معرفته عن ضعف النشاط الدرقي

 بقلم د. حسين الحجار

يشير مصطلح قصور الغدة الدرقية إلى انخفاض إنتاج الهرمونات الدرقية (الثيروكسين وثلاثي يودوثيرونين). الغدة الدرقية هي أكبر الغدد الصماء في جسم الإنسان، توجد في الجزء السفلي الأمامي من الرقبة، أسفل تفاحة آدم مباشرةً، وتأخذ شكل فراشة يحتضن جناحيها القصبة الهوائية. تساعد هرمونات الغدة الدرقية الجسم على تنظيم استخدامه للطاقة وبقائه دافئًا، وهي هامة أيضًا للحفاظ على عمل الدماغ والقلب والعضلات والأعضاء الأخرى بشكلٍ سليم. تصيب هذه الحالة النساء أكثر من الرجال، وخاصة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، ولكن يمكن أن تبدأ ايضًا في أي عمر. يمكن اكتشاف ضعف إنتاج الغدة الدرقية من خلال اختبار الدم الروتيني أو بعد بدء الأعراض. عندما يحدث قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism)؛ تبدأ وظائف الجسم الطبيعية في التباطؤ. نوضح لك عزيزي زائر أسرة وطب في هذا المقال كل ما تريد معرفته عن هذا الاضطراب الدرقي الشائع بين كثيرٍ من الناس.

ولكن ما هو سبب قصور الغدة الدرقية؟

تشمل الأسباب الشائعة لقصور الغدة الدرقية ما يلي:

1)- وجود مرض مناعي ذاتي:

تحمي المناعة خلايا الجسم من الغزو البكتيري والفيروسي؛ بإرسال الخلايا المقاتلة للقضاء على هذه الميكروبات. يحدث أحيانًا خلط بين الخلايا الطبيعية وبين خلايا الميكروبات الضارة، فيهاجم جهاز المناعة الأنسجة السليمة ويُسمى هذا المناعة الذاتية. يمكن أن تسبب المناعة الذاتية عدة أمراض، ومنها قصور الغدة الدرقية.

 يُعدّ مرض هاشيموتو هو إحدى أمراض المناعة الذاتية، والسبب الأكثر شيوعًا في قصور الغدة الدرقية. يهاجم هذا المرض الغدة الدرقية ويسبب لها التهابًا مزمن؛ قد يقلل الالتهاب من إنتاج الهرمونات الدرقية.

2)- قصور الغدة الدرقية الخِلقي (قصور الغدة الذي يولد به الطفل): 

يولد عدد قليل من الأطفال دون الغدة الدرقية أو يكون لديهم جزء من هذه الغدة، أو في بعض الأطفال لا تعمل خلايا الغدة الدرقية بشكلٍ صحيح.

3)- اضطراب الغدة النخامية:

تسيطر هذه الغدة بواسطة هرمون TSH على إفرازات الغدة الدرقية. عندما تتلف الغدة النخامية بسبب ورم أو إشعاع أو جراحة، فقد لا تكون قادرة على إعطاء تعليمات للغدة الدرقية (التي قد تكون طبيعية في هذه الحالة)؛ فيحدث ضعف في إنتاج الهرمونات الدرقية T3 وT4.

4)- قصور الغدة الدرقية الناتج عن علاجات فرط نشاط الغدة الدرقية:

تُسمى الحالة التي يزداد فيها إنتاج هرمونات الغدة الدرقية باسم فرط نشاط الغدة الدرقية. يهدف علاج هذه الحالة إلى خفض هذا الإنتاج، ولكن أحيانًا يسبب ذلك انخفاض مستوى الهرمونات الدرقية بشكلٍ دائم؛ ما يعني إصابتك بحالة قصور في الغدة الدرقية.

5)- العلاج الإشعاعي:

قد يؤدي الإشعاع المستخدم لعلاج السرطان في الأماكن القريبة من الغدة الدرقية مثل الرأس أو الرقبة أو الغدد الليمفاوية، وكذلك استخدام اليود المشع في علاج تضخم الغدة الدرقية العقدي أو مرض جريفز؛ إلى ضعف في إنتاج الهرمونات الدرقية (قصور الغدة الدرقية).

علامات واعراض قصور الغدة الدرقية

تختلف اعراض قصور الغدة الدرقية من شخصٍ لآخر؛ تبعًا لشدة الحالة، وقد يصعب أحيانًا تحديدها. يمكن أن تشمل الأعراض المبكرة زيادة الوزن والتعب، كلاهما يصبح أكثر شيوعًا مع تقدمك في العمر. قد لا تدرك أن هذه التغييرات مرتبطة بالغدة الدرقية حتى تظهر علامات أكثر.

تتطور اعراض قصور الغدة الدرقية تدريجيًا على مدار سنوات عديدة، فمع تطور ضعف نشاط الغدة الدرقية أكثر فأكثر، يمكن ملاحظة هذه الأعراض بسهولةٍ أكبر. إذا كنت تشك في أن لديك أعراض ناتجة عن مشكلة في الغدة الدرقية؛ فمن الهام التحدث مع طبيبك، الذي بدوره قد يطلب منك عمل تحليل للدم للتأكد من تشخيصه لحالتك.

وتشمل العلامات والأعراض الأكثر شيوعًا في قصور الغدة الدرقية ما يلي:

• إعياء.
• اكتئاب.
• إمساك.
• الشعور بالبرد (لا يمكنك تحمل درجات الحرارة المنخفضة مثل من هم حولك).
• جفاف الجلد وقلة التعرق.
• زيادة الوزن.
• ضعف العضلات وتشنجاتها وآلامها المتكررة.
• تباطؤ في معدل ضربات القلب.
• ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم.
• ألم وتيبس في المفاصل.
• جفاف ورقة الشعر.
• ضعف الذاكرة.
• مشكلات في الخصوبة أو تغيرات في الدورة الشهرية لدى النساء.
• بحة في صوتك.
• انتفاخ وحساسية الوجه.

طرق تشخيص ضعف نشاط الغدة الدرقية

يعتمد التشخيص على ما يلي:

• الفحص الظاهري والتقييم الطبي:

 يفحصك طبيبك فحصًا بدنيًا شاملًا ويتحقق من العلامات الجسدية وأعراض قصور الغدة الدرقية مثل جفاف الجلد وتباطؤ معدل ضربات القلب، ويسألك ما إذا كان هناك أعراض أخرى تعانيها مثل الإمساك أو الشعور بالبرد باستمرار، وكذلك التعب والاكتئاب.

يسألك طبيبك أيضًا على التاريخ الطبي والعائلي؛ فيجب عليك إخباره:

1. عن التغيرات في صحتك.
2. إذا كنت قد خضعت لأي علاج إشعاعي.
3. إذا أُجري لك أي جراحة في الغدة الدرقية.
4. إذا كنت تتناول أيًا من الأدوية؛ التي قد تسبب قصور الغدة الدرقية مثل الأميودارون وإنترفيرون.
5. هل أحد أفراد عائلتك يعاني من أي اضطراب في الغدة الدرقية.

• تحاليل الدم:

تُجرى تحليل الدم للتأكد من تشخيص قصور الغدة الدرقية وتشمل:

1. اختبار TSH: فإذا كانت الغدة الدرقية لا تنتج ما يكفي من هرمون T4 نجد أن الغدة النخامية تُفرِز الكثير من هرمون TSH لتحفز الغدة الدرقية لتقوم بوظيفتها؛ وهذا دليل على ضعف النشاط الدرقي.
2. اختبار مستوى الغدة الدرقية:(T4) يفيد أيضًا في تشخيص ضعف نشاط الغدة الدرقية.

 تساعد اختبارات T4 و TSH معًا في تقييم وظائف الغدة الدرقية. إذا كان لديك مستوى منخفض من T4 مع مستوى مرتفع من TSH؛ فأنت تعاني من قصور الغدة الدرقية.

علاج قصور الغدة الدرقية

قد يسأل الكثير من المرضى، هل يمكن علاج قصور الغدة الدرقية نهائيا!؟

في واقع الأمر لا يوجد ما يُسمى علاج نهائي لقصور الغدة الدرقية، ومعظم الحالات يستمر لديهم هذا المرض مدى الحياة، ولكن هناك استثناءات كما في حالة التهاب الغدة الدرقية الفيروسي وبعض المرضى من السيدات في حالة التهاب الغدة الدرقية بعد الحمل؛ فقد تعود الغدة إلى طبيعتها بعد العلاج.

الأدوية:

يُعالج قصور الغدة الدرقية باستخدام أدوية مثل ليفوثيروكسين (هرمون T4 الصناعي) ليعوض نقص الهرمون الطبيعي. بمجرد بدء العلاج، قد يستغرق الأمر عدة أسابيع قبل أن تبدأ في الشعور بالراحة. تحتاج إلى متابعة اختبارات الدم لمتابعة تقدمك في العلاج، ويجب أن تتعاون مع طبيبك لإيجاد جرعة وخطة علاج أفضل للأعراض، وهذا يمكن أن يستغرق بعض الوقت.

 بمجرد استعادة مستويات الهرمون، من المرجح أن تختفي الأعراض أو على الأقل تُصبِح أكثر قابلية لتحملها. قد تحتاج جرعة الثيروكسين إلى التغيير بمرور الوقت. عليك أن تلتزم مدى الحياة بالعلاج، وإذا كنت تتناول أدويتك بانتظام، فسوف تكون قادرًا على التحكم في قصور الغدة الدرقية بشكلٍ جيد طوال حياتك، وكذلك تتحسن الآثار الخطيرة لانخفاض هرمون الغدة الدرقية لديك.

يجب على طبيبك اختبار مستويات TSH الخاصة بك سنويًا، إذا أشارت مستويات الدم إلى أن الدواء لا يعمل بشكلِ جيد كما ينبغي؛ يعدل الطبيب الجرعة حتى يتحقق التوازن.

 النظام الغذائي مع علاج قصور الغدة الدرقية

لا يوجد نظام غذائي معين يلتزم به مرضى ضعف الغدة الدرقية، ولكن قد تكون هناك بعض التوصيات التي يجب وضعها في الاعتبار مثل:

• تناول نظامًا غذائيًا متوازن

تحتاج الغدة الدرقية إلى كميات كافية من اليود حتى تعمل بشكلٍ سليم. يوفر النظام الغذائي المتوازن من الحبوب الكاملة والفاصوليا والبروتينات الخالية من الدهون والفواكه والخضروات الملونة كمية كافية من اليود.  

• الحذر في تناول منتجات فول الصويا

قد يعوق الصويا امتصاص هرمونات الغدة الدرقية؛ فإذا كنت تشرب أو تتناول الكثير من منتجات الصويا، فقد لا يتمكن جسمك من امتصاص أدويتك بشكلٍ صحيح. يمكن أن يكون هذا هامًا خاصةً عند الرضع ممن يحتاجون إلى علاج لضعف الغدة الدرقية، ويشربون تركيبة الصويا في نفس الوقت.

يوجد الصويا في منتجات مثل:

1. التوفو (خثارة فول الصويا المُعَالَجة). 
2. الجبن النباتي ومنتجات اللحوم.
3. حليب الصويا.
4. صلصة الصويا.

تجنب تناول أو شرب هذه الأطعمة لمدة ساعتين على الأقل قبل أو بعد تناول دواء قصور الغدة الدرقية.

• الحرص في تناول الألياف

يمكن أن تتداخل الألياف أيضًا مع امتصاص الهرمون، الألياف مهمة، لذا لا تتجنبها تمامًا، بدلاً من ذلك تجنب تناول الدواء في غضون عدة ساعات من تناولك للأطعمة الغنية بالألياف.

• لا تتناول أدوية الغدة الدرقية مع المكملات الغذائية الأخرى:

إذا كنت تتناول المكملات الغذائية أو الأدوية الاخرى بالإضافة إلى أدوية قصور الغدة الدرقية، فحاول تناول هذه الأدوية والمكملات في أوقات مختلفة، لأنه يمكن أن تتداخل الأدوية مع الامتصاص؛ لذا من الأفضل تناول دواء الغدة الدرقية على معدة فارغة وبدون أدوية أو أطعمة أخرى.

طرق لتقليل تأثير ضعف نشاط الغدة الدرقية على جودة حياتك 

• طور إستراتيجيات تحملك للتعب

على الرغم من تناولك الدواء، قد لا تزال تعاني من التعب من وقت لآخر، لذلك من الهام حصولك على وقت نوم جيد كل ليلة، وتناول نظام غذائي غني بالفواكه والخضروات، واللجوء إلى استخدام آليات تخفيف التوتر، مثل التأمل واليوجا، لمساعدتك في التغلب على مستويات الطاقة المنخفضة.

• تحدث عن حالتك مع الآخرين

من الهام الانتباه إلى التغييرات التي يمر بها جسمك، إذا لاحظت اختلافًا كبيرًا في شعورك أو كيفية ردود أفعالك؛ فتحدث إلى طبيبك لمعرفة ما إذا كانت مشكلة الغدة الدرقية قد تكون هي السبب.

قد تكون الإصابة بحالة طبية مزمنة أمرًا صعبًا، خاصةً إذا كانت مصحوبة بمخاوف صحية أخرى. ابحث عن أشخاص يمكنك التعبير عن مشاعرك وتجاربك لهم. يمكن أن يكون هذا الشخص معالجًا أو صديقًا مقربًا أو مجموعة دعم من الأشخاص الآخرين الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية.

إذا تم تشخيص حالتك مؤخرًأ بضعف نشاط الغدة الدرقية، فعليك معرفة أن العلاج يعتبر بسيطًا وآمنًا وفعالًا. تعتمد معظم هذه العلاجات على استكمال مستويات الهرمون المنخفضة بأصناف اصطناعية. تعوض هذه الهرمونات ما لا ينتجه جسمك بمفرده وتساعده على استعادة وظائف أعضائه.

وأخيرًا يجب عليك إخبار أفراد عائلتك، نظرًا لأن قصور الغدة الدرقية قد يكون منتشرًا بين أفراد نفس العائلة. ويجب عليك أيضًا شرح هذا المرض لأقاربك وتشجيعهم على الحصول على اختبارات TSH الدورية. أخبر أطبائك الآخرين والصيدلي عن حالتك والدواء والجرعة التي يتم علاجك بها. إذا بدأت في رؤية طبيب جديد، أخبره أن لديك قصور الغدة الدرقية وتحتاج إلى اختبار TSH كل عام، وإذا كنت تتابع مع طبيب الغدد الصماء، اطلب إرسال نسخ من تقاريرك إلى طبيب الرعاية الأولية.