الطب العام

قرحة المعدة والاثنى عشر والفرق بينهما وعلاج كليهما

بقلم د. مجدي راشد
قرحة المعدة والاثنى عشر

ساد لفترة طويلة اعتقاد خاطئ بأن السبب الرئيسي للإصابة بالقرح الهضمية (قرحة المعدة والاثنى عشر والمريء)؛ هو الضغط النفسي وتناول الأطعمة الحارة والتوابل (مع العلم بأنها قد تؤدي إلى تفاقم الحالة في حالة الإصابة بالقرحة)، إلى أن اكتُشِفت جرثومة المعدة في الثمانينيات من القرن الماضي،

 واتضح أنها السبب الرئيسي في معظم حالات قرحة المعدة والاثنى عشر، وذلك بجانب بعض الأدوية التي تتسبب في زيادة إفراز حمض المعدة وضعف وسائل الحماية الطبيعية، وحتى لا نتسبب في حالة من القلق إذ أنَّ جرثومة المعدة تستعمر 50% من أجساد سكان الأرض، لكن معظمهم لا تظهر عليهم أعراض؛ ولا يحتاجون إلى تشخيص أو علاج، بينما يُصاب 10-15% منهم فقط بقرحة المعدة، وقد ثبت أن 90% من المصابين بقرحة المعدة مصابون بجرثومة المعدة ويجب تشخيصهم وعلاجهم، دعونا نلقي الضوء في أسرة وطب على أسباب قرحة المعدة والاثنى عشر، والفرق بينهما في التشخيص، والأعراض، والعلاج.

ما هي قرحة المعدة، والاثنى عشر؟ 

قرحة المعدة هي عبارة عن وجود قروح مفتوحة تُصيب الغشاء المُبطن للمعدة، وقد تصيب أيضا الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة (قرحة الاثنى عشر)، وتتسبب في أعراض متباينة في الشدة تتراوح بين آلام شديدة في البطن؛ إلى نزيف وظهور دم في القيء؛ وفي البراز على هيئة لون أسود قطراني؛ ويصل الأمر في حالة إهمال العلاج إلى حدوث ثقب في المعدة وانسداد في مجرى المعدة، وقد تصل في حالات نادرة إلى سرطان.

أسباب قرحة المعدة والاثنى عشر:

تُفرز المعدة يوميًا حوالي 2.5 لتر من العصارة المعدية؛ وهي عبارة عن حمض شديد الحموضة، توجد في الجهاز الهضمي وسائل حماية تحمي بطانة المعدة من تأثير هذا الحمض؛ وصمامات تمنع وصول الحمض إلى الاثنى عشر مثل الصمام الفاصل بينهما والمسمى بوابة المعدة (Pylorus) ؛ أو ارتداده إلى المريء بواسطة العضلة السفلية للمريء.

إذ تُبطِّن جدار المعدة طبقة مخاطية تحميه من الحمض في الحالات الطبيعية، ولكن قد تنقص كمية أو كفاءة المخاط؛ أو تزيد كمية الحمض لعدة أسباب فتؤدي إلى الإصابة بقرحة المعدة.

تتضمن الأسباب الشائعة:

  • الإصابة بجرثومة المعدة أو ما تُعرف بالبكتيريا الملوية البوابية: فقط من 10-15% من المصابين بها يُصابون بقرحة المعدة، ولكن 90% من المصابين بقرحة المعدة مصابون بجرثومة المعدة، إذ تتميز جرثومة المعدة بشكلها الحلزوني وأرجلها المتعددة التي تساعدها على الحركة السريعة والاختراق، ويحمل سطح جسمها الحلزوني أهداب تساعدها على الالتصاق بخلايا المعدة بعد اختراق الطبقة المخاطية المبطنة للجدار الداخلي للمعدة، كما أنها تفرز إنزيم هام جدًا لبقائها في هذا الوسط وهو إنزيم اليورياز Urease Enzyme، إذ يُحوّل مادة اليوريا الموجودة في إفرازات المعدة إلى ثاني أكسيد الكربون، ومادة الأمونيا (النشادر) القلوية؛ التي تعادل حموضة المعدة، وتُسهِّل على البكتيريا اختراق الطبقة المخاطية المُبطنة للمعدة، والتي تحمي خلايا المعدة من التعرض المباشر للحمض، والوصول إلى خلايا المعدة واستعمارها، مما يتسبب في إضعاف هذه الطبقة المخاطية، ووصول الحمض إلى خلايا المعدة، والتسبب في حدوث قُرح، تتسبب جرثومة المعدة أيضًا في حدوث التهاب ينتج عنه زيادة إفراز حمض المعدة، وقد يدخل على الاثنى عشر ويتسبب في قرحة الاثنى عشر، إذ تتمركز جرثومة المعدة في الجزء الأخير من المعدة والقريب من البوابة الفاصلة بين المعدة والاثنى عشر، تنتقل هذه البكتريا عن طريق الفم سواءًا عن طريق الطعام والشراب أو الرذاذ أو التقبيل، كذلك عن طريق براز المصاب، ويُنصح بتفادي الأماكن المُزدحمة قدر الإمكان، وغسل الأيدي، والخضروات، والفواكه جيدًا.
  • استخدام بعض الأدوية بصفة منتظمة لفترات طويلة: مثل الأسبرين منخفض التركيز المُستخدم في منع التجلط عند مرضى القلب، والمسكنات وأدوية الالتهابات اللاستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين، و الديكلوفيناك…؛ المستخدمة في علاج التهاب المفاصل وتسكين الألم وخاصَّةً عند كبار السن، إذ تعمل هذه الأدوية على منع إنتاج مادة البروستاجلاندين التي لها دور في حماية بطانة المعدة عن طريق تحفيز إفراز المادة المخاطية الغنية بالبيكربونات التي تحمي بطانة المعدة، وتقليل إفراز حمض المعدة من الخلايا الجدارية (Parietal cells).
  • هناك أدوية أخرى تزيد من فرصة الإصابة بقرحة المعدة والاثنى عشر؛ مثل الستيرويدات (الكورتيزونات)، وبعض مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، و الأليندرونات المستخدمة في علاج هشاشة العظام عند كبار السن.
  • متلازمة زولينجر إليسون (Zollinger-Ellison Syndrome): هي مرض نادر يحدث فيه نمو لورم أو أكثر في البنكرياس، أو الاثنى عشر؛ تُعرف باسم الجاسترينوما، وتُنتج كميات كبيرة من هرمون الجاسترين (Gastrin)؛ الذي يتسبب في زيادة حمض المعدة، ويؤدي إلى تكون القرح الهضمية، وأعراض أخرى مثل الإسهال، وألم البطن…، وتُعالج بأدوية الحموضة المعروفة.
  • التدخين، وتناول الكحول، وأسباب جينية.

ملحوظة: هناك مُعتقد خاطيء بأن القرحة قد تنشأ نتيجة للضغط النفسي، وتناول المأكولات الحارة والتوابل، ولكنها قد تزيد من تفاقُم الحالة، وتأخر الالتئام.

أعراض قرحة المعدة والاثنى عشر والفرق بينهما:

أعراض قرحة المعدة والاثنى عشر والفرق بينهم

تتشابه اعراض قرحة المعدة والاثنى عشر في سوء الهضم، وحرقة، وألم شديد في أعلى البطن.

الفرق بين قرحة المعدة والاثنى عشر أن ألم قرحة المعدة يزيد مع تناول الطعام (بعد الأكل بساعة أو ساعتين)، بينما يزيد ألم البطن في قرحة الاثني عشر عند الجوع؛ ويخف بعد تناول الطعام (يحدث الألم بعد ثلاث إلى أربع ساعات من تناول الطعام)، ألم قرحة الاثنى عشر قد يوقظ أثناء النوم، ويكون أشد من ألم قرحة المعدة، يحدث نقص في الوزن في قرحة المعدة فقط، وفي الحالات الشديدة من قرحة المعدة يكون النزيف في صورة قيء دموي بلون القهوة، أما في قرحة الاثنى عشر فيحدث براز أسود قطراني نتيجة للنزيف. 

قد تحدث أعراض أخرى مثل: الشعور بالغثيان، وصعوبة التنفس.

مضاعفات قرحة المعدة والاثنى عشر:

تحدث مُضاعفات قرحة المعدة والاثنى عشر عند ترك القُرح دون علاج:

  • النزيف الداخلي: يحدث فقر الدم نتيجة فقدان الدم، وفي حالة فقدان الدم الشديد قد يتطلب الأمر نقل دم والمكوث في المستشفى، ويحدث قيء دموي، أو براز أسود قطراني نتيجة للنزيف، وانخفاض في ضغط الدم وزيادة في ضربات القلب.
  • انفجار القرحة: يؤدي إلى حدوث ثقب في جدار المعدة، أو الأمعاء الدقيقة؛ مما يعرِّض المريض لخطر العدوى الشديدة في تجويف البطن، والتهاب الغشاء المبطن (Peritonitis)، وألم شديد في البطن، وتسارع ضربات القلب ومعدل التنفس، وتتطلب هذه الحالة تدخل سريع في خلال بضع ساعات.
  • الانسداد في مخرج المعدة: قد تمنع قُرح المعدة والتهاب الاثنى عشر وتورمه نتيجة التقرح المستمر؛ مرور الطعام خلال القناة الهضمية ؛ مما ينتج عنه ألم شديد مع شعور بالامتلاء وفقدان الوزن.
  • هناك احتمال 4% أن تتحول قرحة المعدة إلى سرطان.

التشخيص:

يتتبع الطبيب التاريخ المرضي، والأعراض من المريض، ثم قد يحتاج لإجراء بعض الاختبارات التشخيصية؛ مثل:

  • اختبارات جرثومة المعدة (بكتيريا الملوية البوابية): هناك اختبار البرازلفحص وجود المستضدّات (Antigen) لجرثومة المعدة، أو اختبار التنفس، وهو أدق من فحص البراز؛ خلاله يبتلع المريض قرصًا يحتوي على مادة اليوريا، ثم يُطلب منه النفخ في بالون خاص، ثم تُقاس كمية ثاني أكسيد الكربون في العينة وتُشخص الحالة حسب مقدار الغاز (تأكد من اتباع الاحتياطات اللازمة لإجراء هذا الفحص، منها التوقف عن تناول مضادات الحموضة التي تؤدي إلى نتائج سلبية خاطئة).
  • التنظير؛ يستخدم الطبيب منظار الجهاز الهضمي العلوي، إذ يُمرر الطبيب أنبوبًا مُزودًا بعدسة عبر الحلق نزولًا إلى المريء والمعدة والأمعاء الدقيقة؛ للبحث عن القُرح، قد يأخذ الطبيب خزعة (عينة من الأنسجة) إذا اكتشف وجود قُرحة، وقد تكشف العينة عن وجود البكتيريا الملوية البوابية في بطانة المعدة أم لا. (في حالة كبار السن يوصي الطبيب على الأرجح بالتنظير؛ خاصة إذا كان هناك نزيف، أو فقدان حديث للوزن غير مُبرر، أو صعوبة في البلع؛ إذا أظهر التنظير قُرحة معدة؛ فيجب بعد العلاج إجراء تنظير آخر؛ للتأكد من الشفاء حتى لو تحسنت الأعراض؛ تجنبًا لحدوث مُضاعفات قد لا يحتملها كبار السن).

علاج قرحة المعدة والاثنى عشر:

معظم القرح تُشفى بواسطة العلاج الدوائي، والنظام الغذائي، ونمط الحياة، ولا نلجأ للعلاج الجراحي إلا في حالات معينة للسيطرة على المضاعفات (مثل النزيف الحاد، أو انفجار المعدة، أو انسداد مخرج المعدة).

يشمل العلاج الدوائي الأدوية التي تُعادل حمض المعدة، وتُبطن جدار المعدة؛ مثل مضادات الحموضة العادية التي تُمضغ في الغالب، وتخفف من ألم الحموضة لكنها لا تُعالج القرحة، أو الأدوية التي تُسيطر على إفراز الحمض؛ مثل حاصرات الهيستامين (H2) التي تحفِّز الشفاء، وتقلل الألم مثل الرانتدين، أو مُثبطات مضخات البروتون (PPI) التي تكبح إفراز حمض المعدة؛ وتُحفز الشفاء،  والمضادات الحيوية (في حالة التأكد من الإصابة بجرثومة المعدة؛ وأنها تسببت في القرحة).

علاج جرثومة المعدة:

في حالة وجود قرحة ناتجة عن جرثومة المعدة، فسوف تحتاج إلى مضادات حيوية لقتل البكتيريا، وعلاج يقلل الحموضة، ويساعد على التئام بطانة المعدة، تستغرق مدة العلاج بالمضادات الحيوية أسبوعين، يتكون العلاج من بعض الأدوية:

  • علاج ثلاثي عبارة عن: نوعين من المضادات الحيوية لقتل البكتيريا، مثل أموكسيسيللين، وكلاريثروميسين، وميترونيدازول بالإضافة إلى علاج للحموضة من النوع المثبط لمضخة الهيدروجين (PPI)؛ مثل الأوميبرازول، أو لانسوبرازول. 
  • قد يُضيف الطبيب مادة (Bismuth subsalicylate) للمساعدة في القضاء على الميكروب.

بعد انتهاء العلاج بأربعة أسابيع، يطلب الطبيب عمل اختبار النفس، أو تحليل البراز للتأكد من القضاء على الميكروب.

  • في حالة النزيف يحدث قيء دموي بلون القهوة، أو براز أسود قطراني اللون، وتستجيب 95% من الحالات للعلاج الدوائي، وتحتاج فقط 5% من الحالات إلى التدخل بالمنظار؛ إذ تُحقن مادة توقف النزيف، أو بتدبيس القرح، أو الكي لوقف النزيف، أو قد يلجأ الطبيب إلى الفتح وربط الشريان.
  • في حالة حدوث ثُقب في المعدة، أو الاثنى عشر؛ يلجأ الطبيب إلى استخدام مضادات حيوية للسيطرة على تلوث تجويف البطن بمحتويات المعدة؛ ويستخدم منظار عن طريق الأنف، ومحلول ملحي؛ لتنظيف المعدة، ويقوم بإخاطة الثقب؛ وبعد العملية يتم علاج السبب إما بكتيريا فتُعالج أو وقف المسكنات والأدوية والعوامل المُسببة.

تابعنا في مقالات قادمة على أسرة وطب، لمعرفة نمط الحياة والنظام الغذائي الذي يُجنبك بصورة كبيرة الإصابة بقُرح الجهاز الهضمي، ودور الطب البديل والأعشاب في السيطرة على هذا المرض.

السابق
اسباب ضعف الانتصاب وفشل العلاقة الحميمية بين الزوجين
التالي
فرط الحركة عند الاطفال وعلاجها، 8 فروق عن الشقاوة