التغذية الصحية

صيام مريض السكري | بين الممنوع والمسموح له بالصيام

 بقلم د. مجدي راشد
صيام مريض السكري

يدور كل عام جدل واسع حول صيام مريض السكري، رغم أن حسم قرار الصيام من عدمه يجب ألا يخرج عن تقدير الطبيب المُعالج وفتوى دار الإفتاء، ولكن ما يحدث أن القرار النهائي يُصبح رهنًا بمريض السكري نفسه حتى لو كان القرار خطأً أو يُعرِّضَه للخطر، قد يأخذ المريض القرار الخطأ بالصوم رغم الرخصة التي ذُكِرت مرتين في آيات الصوم؛ ظنًّا منه أن التقرُّب إلى الله يكون بعبادة الصوم فقط ولكن الأخذ بالرخصة هو عبادةٌ أيضًا، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أبعد من ذلك واعتبروا صيام مريض السكري الذي يضر نفسه في وجود الرخصة آثم.

ما الذي يحدث للإنسان السليم أثناء الصيام؟

من المعروف أن أعضاء الجسم تستمد طاقتها من ثلاثة مصادر وهي الكربوهيدرات والبروتينات والدهون، وتُعد الكربوهيدرات المتمثلة في الجلوكوز المصدر الرئيسي للطاقة بالنسبة لجميع أعضاء الجسم، ويستحوذ المخ على النصيب الأكبر (20%) من هذه الطاقة، وحتى يدخل الجلوكوز إلى الخلايا لإنتاج الطاقة يُفرِز البنكرياس هرمون الأنسولين. 

بعد ثمانية ساعات من الصيام يبدأ السكر في النزول وكذلك الأنسولين، فيبدأ الجسم في استهلاك مخزون الكبد والعضلات من الجليكوجين (الصورة التي يُخزَّن بها الجلوكوز الزائد في الكبد والعضلات)؛ والذي يكفي لإمداد الجسم حتى حوالي 12 ساعة.

ولكن قد تطول ساعات الصوم إلى أكثر من ذلك وينتهي مخزون الجليكوجين وكذلك الأنسولين، فيبدأ الجسم بتكسير الخلايا الدهنية منتجًا أجسام كيتونية تمد أعضاء الجسم بالطاقة، ويظل المخ مُعتمدًا على السكر في الدم لاستمرار عمله.يتكيف الإنسان السليم مع انخفاض وارتفاع السكر، ولكن مريض السكري خاصةً من النوع الأول المُعتمد على الأنسولين قد لا يستطيع التكيف مع انخفاض السكر في فترة الصيام الطويلة؛ ويحدث هبوط في السكر(أقل من 70 مجم/دسل) يعرِّضه للخطر إذا لم يُبادر بتناول السكر، وأيضا نقص الأنسولين يؤدي إلى عدم تمكن الجلوكوز من دخول الخلايا ويظل في الدم ويسبب أيضًا ارتفاعًا شديدًا في سكر الدم (أكثر من 250-  300 مجم/دسل)؛ وهذا يُفسر الإرتفاع الشديد عند بعض مرضى السكري من النوع الثاني (المُعتمد على الحبوب) قبل الإفطار، وهناك عدة هرمونات تُساهم في ذلك كرد فعل من الجسم مثل هرمون الجلوكاجون، والكورتيزول، والأدرينالين.

قائمة الممنوعين من الصوم

قرار الصوم من عدمه يخضع لتقييم الطبيب المُعالج بصورة فردية حسب حالة كل مريض، والفتوى تُبنى على هذا الأساس (فلا ضرر ولا ضرار). 

  • المرأة الحامل والمُرضع، إذ يُعرِّضن أنفسهن والجنين للخطر، والقرار يرجع إلى الطبيب المُعالج، وهناك رُخصة بذلك.
  • مريض السكري الذي تعرَّض لنوبة هبوط شديدة، أو ارتفاع شديد في سكر الدم خلال الثلاثة أشهر التي تسبق شهر رمضان، واستدعت حالته دخول مستشفى.
  • مريض السكري إذا كان معدل السكر التراكمي قبل رمضان أكثر من 9%، أو قراءاته تتراوح بين 250-300 مجم/دسل.
  • مريض السكري الذي يُعاني من مُضاعفات مرض السكري على أعضائه؛ مثل العين، و الكلى، والقلب والشرايين، أو التهابات، أو القدم السكري. 
  • مريض السكري إذا أُصيب بمرض حاد أثناء صيامه، أو قبل دخول شهر رمضان بفترة بسيطة، ويضطر لتناول أدوية أو إذا تعارض صيامه مع المرض يُفطر ثم يُكمل صيامه بعد أن يتعافى.
  • مريض السكري من النوع الأول (المعتمد على الأنسولين)، والذي يأخذ جرعات متعددة من الأنسولين ولا تسمح حالته باستبداله بالأنسولين ممتد المفعول، وكذلك الأطفال المصابين بالسكري.
  • مريض السكري من النوع الثاني الذي يعتمد عمله على المجهود البدني، وقد يتعرض لنوبات هبوط وغيبوبة نتيجة نقص السكر في الدم، وله أن يستشير طبيبه ويأخذ بالرخصة.
  • مريض السكري الذي يغسل الكلى، أو من تعرَّض لجلطة قلبية حديثة، أو المريض بالصرع (نقص السكر يؤدي إلى زيادة نوبات التشنج).

مخاطر صيام مريض السكري

قد يعاني مريض السكري الممنوع من الصوم بأمر الطبيب، أو المسموح له بالصيام ويتبع نظام غذائي خطأ إلى عدة مخاطر منها:

  1.  هبوط سكر الدم (تحت 70 مجم/دسل)؛ مما قد يُعرِّض المريض لخطر غيبوبة السكر، خاصةً من تقتضي أعمالهم بذل مجهود بدني كبير.
  2.  إرتفاع سكر الدم (فوق 250-300 مجم/دسل)، يلجأ البعض إلى تخفيض جرعة الدواء أو الأنسولين من أنفسهم دون مراجعة الطبيب، لذلك يقل الأنسولين في الجسم ويظل السكر في الدم خارج الخلايا مُسببًا ارتفاعًا شديدًا قد يصل إلى غيبوبة.
  3.  الجفاف نتيجة ارتفاع السكر في الدم وكثرة التبول، خاصةً كبار السن الذين يتناولون أيضًا أدوية مُدرَّة للبول، ويزداد الجفاف في شهور الصيف نتيجة التعرق، مما يؤدي إلى زيادة لزوجة الدم وخطر الإصابة بالجلطات

أعراض نقص سكر الدم عند مريض السكري

يُعد حدوث هذه الأعراض بمثابة تحذير من الدماغ بأنه في حاجة ماسَّة وعاجلة إلى السكر؛ ويُرسل رسائل إلى أعضاء الجسم لتقوم بردود أفعال تحذيرية قبل الدخول في غيبوبة، وتتفاوت الأعراض حتى بالنسبة لنفس الشخص من بينها:

  •  ضعف التركيز قد يصل إلى هذيان وتصرفات غريبة.
  •  دوخة وزغللة في العينين.
  •  إرهاق ووهن شديد.
  •  تسارع ضربات القلب.
  •  تعرُّق وإحساس بالبرودة.
  •  شحوب في الوجه.
  •  شعور مُفاجيء بالجوع الشديد.
  •  قد يحدث تنميل حول الفم واللسان.
  •  غيبوبة وفقدان الوعي.

كيف نتعامل مع أعراض نقص السكر؟ وكيف نتجنبها؟

تشمل الإجراءات الوقائية عدة احتياطات منها:

1- ضرورة حمل عدد من السكاكر (باستيلية) سريعة الامتصاص، ولا يُفضَّل الاعتماد على الشيكولاتة لأن بها دهون بطيئة الامتصاص.

2- حمل بطاقة تعريفية أو أسورة توضِّح أنه مريض سكري، وعلى ظهرها كيفية التصرف في حالة ظهور علامات هبوط السكر.

3- حمل جهاز قياس سكر في السيارة، والتوقف عن القيادة فورًا بمجرد الشعور بالعلامات التحذيرية؛ وتناول أي مادة سكرية معه.

4- عدم بذل أي مجهود بدني زائد آخر 3 ساعات قبل الإفطار.

5- عدم السماح للأطفال (الأصحاء) تحت سن التكليف بالصيام الكامل، واتباع سياسة التدرج في زيادة ساعات الصيام، إذ قد يتعرَّض بعض الأطفال إلى هبوط حاد وتشنجات، لأن مخزون الجلايكوجين في الكبد والعضلات عند الأطفال يكون قليلًا.

6- انتظام الوجبات والوجبات البينية في مواعيد مُحددة قدر المُستطاع، وقياس المُعدل بصفة منتظمة (يجب على مريض السكري الصائم قياس السكر بين العصر والمغرب، وبعد الإفطار بساعتين إلى ثلاثة)، والحرص على تناول الوجبة مباشرةً بعد أخذ الأنسولين السريع.

7- في حالة عدم توفر جهاز قياس السكر، ونظرًا لتشابه بعض أعراض انخفاض السكر وارتفاع السكر؛ في هذه الحالة نتعامل مع الحالة على أنه انخفاض؛ لأن الانخفاض أخطر، ونبدأ في إسعافه بالخطوات التالية.

خطوات إسعاف نوبة نقص السكر

اتباع قاعدة (15-15-15) وتتلخص في:

  • في حالة كان المريض لم يفقد الوعي بعد:

1- نعطي 15جم سكريات سريعة الامتصاص متمثلة في (نصف كوب عصير مُحلَّى زيادة، أو ملعقة طعام كبيرة عسل نحل، أو 3 ملاعق سكر مُذابة في كوب ماء، أو 6 حبات ملبس).

2- بعد 15 دقيقة نقيس السكر في الدم، إذا وصل إلى 70مجم/دسل فما فوق؛ نعطي المريض 15جم من الكربوهيدرات (قطعة خبز وكوب حليب)، أما إذا كان القياس بعد الرُّبع ساعة أقل من 70 مجم/دسل؛ نُعيد نفس الخطوات السابقة من البداية حتى تصل القراءة إلى 70 فما فوق؛ ثم نُثبِّتها بوجبة خفيفة.

  • في حالة فقدان الوعي:

1- يُعطى حقنة جلوكاجون (يجب توفيرها في المنزل) التي تُحسِّن الحالة في خلال 15-20 دقيقة، ويتناول بعدها كوب حليب وقطعة خبز (أو قطعة خبز بالجبنة).

2- في حالة عدم توفر حقنة الجلوكاجون، يجب نقل المريض فورًا إلى طوارئ المستشفى لإسعافه بأسرع وقت.

صيام مريض السكري قد يُعرِّضه إلى عدة مخاطر، لذلك ننصح في أسرة وطب مريض السكري بمراجعة طبيبه المُختص قبل رمضان بفترة؛ وذلك لاتخاذ قرار الصيام من عدمه، واتباع تعليمات الطبيب في حالة السماح له بالصيام، ويقوم الطبيب بتعديل الجرعات وتثقيف المريض، وذلك من أجل أخذ احتياطات التغذية السليمة في رمضان الخاصة بمريض السكري. 

السابق
خلع ضرس العقل مؤلمٌ أم لا.. معلومات تساعدك في اتخاذ قرارك
التالي
طريقة عمل زينة رمضان بالورق في المنزل خطوة بخطوة بالصور