بقلم د. يسرا أحمد السنوسي
تُعد متلازمة القولون العصبي من أهم أسباب اضطرابات الجهاز الهضمي التي يلتبس تشخيصها عند الكثير من الناس … دعونا نتعرف على أسباب، وأعراض، وطرق تشخيص، وطرق العلاج المختلفة للقولون العصبي المزمن.
فرض علينا نمط الحياة السريع عدة عادات خاطئة لمواكبة هذه السرعة، منها عادات خاصة بنمط حياة الأسرة مثل الوجبات السريعة ، والمشروبات الغازية، والعصائر المحفوظة، والكافيين، والتدخين، والبعد كل البعد عن الأكل الصحي المتوازن، وشرب الحصة الكافية من الماء، على صعيد آخر أدى نمط هذه الحياة إلى وضع الإنسان تحت ضغط نفسي مستمر لمواكبة الأعباء المادية والمسئوليات، وأبعده عن ممارسة الرياضة؛ مما أدى إلى الإصابة بعدة أمراض نفسية وعضوية منها القولون العصبي المزمن.
لذلك حرصنا في أسرة وطب على تسليط الضوء على هذا المرض، والرد على كل التساؤلات الخاصة بمرض القولون العصبي المزمن.
ما هو القولون العصبي المزمن ؟
تنتج متلازمة القولون العصبي المزمن (irritable bowel syndrome) عن اضطرابات تصيب الأمعاء الغليظة مما يؤدي إلى عدة أعراض طويلة الأمد؛ والتي قد تعيق مسار حياة الإنسان سواءًا في عمله أو حياته الاجتماعية وكذلك الطفل في مدرسته، وتختلف هذه الأعراض في حدتها ومدة حدوثها من شخص إلى آخر، ويكون سببها الرئيسي تشنج عضلات القولون (الأمعاء الغليظة)، لذلك يسمى القولون العصبي المزمن أيضاً بالتهاب القولون الانقباضي أو التشنجي، ولكن لا داعي للقلق؛ فليست هناك علاقة بين القولون العصبي المزمن وسرطان القولون أو التهابات القولون التقرحية.
أسباب القولون العصبي المزمن
لا يوجد حتى الآن سبب محدد للإصابة بالقولون العصبي المزمن، ولكن هناك عدة دراسات حول أسباب حدوثه، بالإضافة إلى بعض المحفزات الناتجة عن نمط الحياة والتي تساهم في تهيج القولون وزيادة أعراضه.
تعددت الدراسات حول بعض الأسباب المحتملة للقولون العصبي المزمن نذكر منها:
⧫الانقباضات العضلية للأمعاء:
يرجع السبب هنا إلى حساسية الجهاز المناعي، وحساسية القولون المفرطة وزيادة استجابته لأقل مُحفز مما يؤدي إلى انقباض، وتشنج عضلي بالأمعاء.
⧫الجهاز العصبي :
يرجع السبب حسب هذه النظرية إلى بعض النواقل العصبية (السيروتونين) والهرمونات المحفزة لإفراز العصارة الهضمية (الجاسترين) الموجودة بجسم الإنسان؛ إذ تتحكم في الإشارات العصبية بين المخ والجهاز الهضمي ويكون السبب الرئيسي هنا هو الضغط النفسي فتكون النتيجة هي المبالغة في رد الفعل من قبل الأمعاء.
⧫الإصابة بعدوى شديدة بالأمعاء:
تشير بعض الدراسات إلى أن القولون العصبي المزمن قد يصيب الإنسان بعد إصابته بعدوى حادة بالأمعاء أو المعدة (نوبة إسهال شديدة) سواء بفيروس أو بكتيريا، ويمكن أن تقترن بفرط نمو بكتيري بالأمعاء.
⧫الهرمونات:
أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين هرمونات الجسم والقولون العصبي المزمن، لذلك تكون نسبة حدوثه في النساء أكثر من الرجال؛ بسبب التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها المرأة خلال الدورة الشهرية أو الحمل أو الرضاعة، وقد وُجد بالفعل أن أعراض القولون العصبي المزمن تزداد وتصل إلى مداها قبل وأثناء الدورة الشهرية.
أما عن المثيرات أو محفزات القولون العصبي المزمن:-
⧫الضغط والإجهاد النفسي (stress): الذي قد يزيد من حدة الأعراض ولكن لا يكون السبب الرئيسي وراء حدوثه.
⧫نمط الحياة من حيث الطعام والشراب: هناك بعض الأكلات التي تجعل الأعراض أكثر سوءًا مثل :- (الجلوتين، ومنتجات الألبان، والبقوليات، والأكلات المقلية لأن القلي يغير من كيمياء الأطعمة، والألياف غير القابلة للذوبان، والشيكولاتة بأنواعها، والأكلات المصنعة بسبب وجود المواد الحافظة، والمواد السكرية التي تحتوي على (sucralose & aspartame) بسبب صعوبة امتصاص هذه المواد، والبصل والثوم، والأطعمة التي تزيد من انتفاخ البطن مثل الكرنب والبروكلي، أما عن المشروبات فمنها الكافيين، والكحوليات، والمشروبات الغازية، والتدخين).
⧫الأدوية: بعض الأدوية قد تسبب أعراض تتشابه مع أعراض القولون العصبي مثل (بعض المسكنات، والأدوية المخدرة، والإسراف في تناول مضادات الحموضة، ومضادات الاكتئاب، والحديد، ومدرات البول، …) التي تسبب إمساك مزمن في بعض الأحيان.
أعراض القولون العصبي المزمن
سنعرض أولا أعراض القولون العصبي الكلاسيكية:-
⬅آلام البطن، والانتفاخات المستمرة التي تزول جزئيا أو تماما مع الإخراج.
فيكون ألم البطن متلونًا إما ألم عام بالبطن غير محدد مكانه أو نوبات مفاجئة من ألم حاد، وأشهر مكان للألم المنطقة السفلية من البطن ناحية اليسار، ومما يميز الألم أنه يزداد حدته بالأكل ويقل أو يتحسن بالإخراج، من الممكن أن يتشابه ألم القولون العصبي المزمن مع آلام الصدر الأمامية التي قد تأتي ناحية اليسار قليلا وتتشابه مع آلام نوبات القلب إذا تراكمت الغازات أو الفضلات في جيوب ثنية الطحال ناحية اليسار.
⬅الإمساك أو الإسهال أو تبادل النوبات بينهما.
⬅الغازات الزائدة.
هناك بعض الأعراض المصاحبة لأعراض القولون العصبي منها:
*أعراض بالجهاز الهضمي مثل (الغثيان، القيء، والحرقة وزيادة الحموضة، وعسر الهضم، وعدم تحمل اللاكتوز أو الجلوتين)
*أعراض بالجهاز البولي مثل (التبول المتكرر، وإلحاح التبول)
*اضطرابات جنسية مثل (آلام مصاحبة للجماع، وقلة الرغبة الجنسية)
*أعراض خاصة بالإناث مثل (سوء أعراض ما قبل الطمث، وإفرازات بيضاء مصدرها عنق الرحم بدون سبب التهابي )
*Comorbid Fibromyalgia حالة من آلام متعددة بالعضلات مصاحبًا لها عدة أمراض مثل (الصداع النصفي، ومتلازمة الإرهاق المزمن، والاكتئاب، واضطرابات الخوف)
*Stress related symptoms أعراض مرتبطة بالضغط النفسي مثل (قلة الطاقة، وآلام متعددة بالجسم، والأرق، وآلام المعدة، وعدوى البرد المتكررة، وجفاف الفم، وطنين الأذن)
أعراض خطيرة ومنذرة:
هناك بعض الأعراض التي يجب التنبه لها، واستشارة طبيبك المختص لعمل بعض الفحوصات اللازمة ومنها:
⬅إذا كان المريض عمره أكثر من 50 عامًا.
⬅وجود تاريخ عائلي بالتهاب القولون التقرحي أو سرطان القولون.
⬅نقص ملحوظ في الوزن.
⬅أنيميا الدم المرتبطة بنقص الحديد.
⬅نزيف الدم من المستقيم.
⬅أعراض ليلية مما يجبر المريض على الاستيقاظ مثل الإسهال.
⬅القىء المستمر أو صعوبة البلع.
إذا حدث لك أي عرض من هذه الأعراض المنذرة غالبا ما ستحتاج إلى منظار(تنظير) القولون، لذلك عليك التوجه إلى الطبيب فورا الذي سيقرر الفحوصات المطلوبة.
مضاعفات القولون العصبي:
تؤدي أعراض القولون العصبي إلى انخفاض مستوى الحياة، نتيجة تغيب المرضى عن العمل أو الأطفال عن المدرسة؛ بسبب أعراض انقباض القولون أو الأعراض المصاحبة التي بدورها تؤدي إلى اضطرابات نفسية ومزاجية مثل الاكتئاب والقلق.
كيفية تشخيص القولون العصبي المزمن:
يعتمد الطبيب على أعراض القولون العصبي في تشخيصه مع استبعاد أية أعراض منذرة أو أسباب مرضية أخرى للإمساك (مرض السكر، وقلة أو زيادة الكالسيوم بالدم، وقصور الغدة الدرقية وغيرها)، أو أسباب مرضية للإسهال (التهاب القولون التقرحي، ومرض السيلياك، وغيرها)؛ وذلك عن طريق معرفة التاريخ المرضي بالكامل والتاريخ العائلي مع الأخذ في الاعتبار معيار Rome 3 الذي يتضمن (تحسن الألم مع الإخراج، بداية المرض تكون مع تغير عدد مرات الإخراج والتغير في شكل البراز) خلال من 3 إلى 6 أشهر، يطلب الطبيب أيضا عدة فحوصات مثل (صورة دم كاملة، وتحليل الغدة الدرقية، وتحليل براز، وعدة فحوصات أخرى لاستبعاد أية أسباب مرضية أخرى).
إذا طرأ عليك أية أعراض منذرة سيكون الفحص الأهم بالنسبة لك منظار القولون لاستبعاد أية أمراض التهابية أو غيرها.
ما هو علاج القولون العصبي؟
⬅معرفة المحفزات التي تهيج، وتزيد الأعراض والبعد عنها: وذلك عن طريق تغيير نمط الحياة، و اتباع حمية غذائية حسب العَرَض، ومنع الجلوتين ومنتجات الألبان، وغيرها من الأطعمة التي تم ذكرها سابقا كمحفزات، واتباع نظام غذائي صحي مثل (شرب كمية كافية من المياه، وأكل وجبات صغيرة متعددة أفضل من وجبة واحدة كبيرة، مسموح بالألبان الخالية من اللاكتوز، مسموح بأكل بعض الأطعمة كالجبن فيتا، و Brie، ومن الفواكه مسموح الكيوي، والكنتالوب، وقرع العسل، والفراولة، أما عن الخضروات المسموح بها الخيار، والجزر، واللفت، والخس، والبروتين مسموح الدجاج، واللحمة، والأسماك) بالإضافة إلى ممارسة رياضة مستمرة، وتجنب أي ضغوطات نفسية.
⬅أدوية القولون العصبي حسب العَرَض
⬅آلام البطن والانتفاخات:
⧫مضادات التقلصات (Dicyclomine).
⧫مضادات الاكتئاب (Fluoxetine ).
⧫البكتيريا النافعة (Probiotics as Lactobacillus).
⬅المضادات الحيوية مثل Rifaximin أو Neomycin في حالة الإمساك.
⬅أدوية لعلاج الإمساك مثل (البولي إيثيلين جليكول، والميثيل سيليلوز، وبعض الملينات مثل السوربيتول أو الجلسرين، بعض محفزات الإخراج مثل (ٍٍSinna)، بعض الأدوية مثل Linaclotide أو Lubiprostone أو Trulance الذي يتميز بأنه ذا آثار جانبية أقل وتؤخذ الأقراص قبل أو مع الأكل.
⬅أدوية لعلاج الإسهال:
⧫مضادات الإسهال (Loperamide).
⧫أدوية تتحد مع أحماض المرارة (Cholestyramine). ⧫ألوسيترون Alosetron فقط في حالات الإناث غير المستجيبة لأية علاجات أخرى ويقنن استخدامه بسبب آثاره الجانبية المتعددة.
⧫Eluxodoline يعالج الانقباضات، والإسهال.
⬅زيت النعناع الذي يفيد كل أنواع القولون العصبي بإضافته مباشرة للمياه المغلية.
علاج القولون العصبي بالاعشاب
⧫شاي النعناع الذي يعمل على استرخاء العضلات عن طريق غلي أوراق النعناع أو نقعها.
⧫شاي البابونج الذي يتميز بخصائصه المضادة للالتهابات، و العمل على استرخاء العضلات، وطرد الغازات وتستخدم أكياس البابونج أو أوراقه.
⧫شاي الكركم للتخلص من آلام البطن ويستخدم مباشرة أو مسحوق الكركم.
⧫شاي الشمر لعلاج الإمساك، وطرد الغازات، وإرخاء العضلات وذلك بإضافة ملعقتين كبيرتين من بذور الشمر مع المياه الساخنة وتركها لتختلط جيدًا.
⧫شاي اليانسون لعلاج الإمساك، وإرخاء العضلات.
⧫عدة أعشاب أخرى (العرقسوس، وشاي الزنجبيل، وشاي الهندباء، وشاي نبات القراص، وبذور الكتان، والكراوية).
⬅علاج القولون العصبي بالعسل
على الرغم من أن الأبحاث العلمية لم تؤكد حتى الآن مدى فاعلية العسل، إلا أنه يقدم عدة فوائد لصحة الجهاز الهضمي فيُستخدم لعلاج الإمساك المصاحب للقولون العصبي، وذلك بإضافته إلى الليمون لخصائصهما المضادة للميكروبات والأكسدة وذلك بخلطهما معًا مع الماء الدافئ، فعسل النحل مفيد جدًا للوقاية من أمراض القولون، والمعدة ذلك لقضائه على الانتفاخ، وعسر الهضم، والحموضة فأثبتت الدراسات أن العسل لا يكلف الجهاز الهضمي أدنى مجهود للهضم لاحتوائه على المنجنيز والحديد اللذان يساعدان على الهضم، وتمثيل الغذاء بعكس السكر الصناعي. ويتميز العسل أيضًا باحتوائه على مواد طبيعية سهلة الهضم والامتصاص لاحتوائه على سكر الفواكه، وسكر العنب، وأكثر من خمسة عشر نوعًا من السكاكر سهلة الامتصاص، لذلك يعالج العسل العيب الوظيفي لحركة الأمعاء، ويهدئ من اضطرابات القولون.
وبالنهاية القولون العصبي المزمن مرض يمكن السيطرة عليه بمنع المحفزات منها (منع التدخين والكحوليات )، واتباع نظام صحي، وممارسة الرياضة بصورة مستمرة، واتباع حمية غذائية خاصة للتحكم بالأعراض والتقليل من الضغوطات النفسية واستشارة الطبيب لوصف الأدوية المناسبة لحالتك.
