الطب العام

الحقن المجهري وعوامل نجاحه وكيفيه التحضير والمتابعه

  بقلم د. لميـاء سـعد غريـب 

الأمومة، ذلك الحلم الذي يراود كل امرأة، وتلك الغريزة التي خلقها الله داخل كل أنثى.. وإنجاب الأطفال هو الأمل الذي يسعى إليه كل زوج وزوجة يتطلعون إلى ممارسة دورهما في الحياة كأب وأم لأطفال صغار، يرونهم يكبرون يومًا بعد يوم أمام أعينهم مع مرور الشهور والسنين.. ولا شك أن حلم الأبوة والأمومة يتضاءل بداخلهم مع كل يوم يمر دون حدوث حمل، وخاصّةً إذا كان أحدهما أو كلاهما يعاني من مشكلة أو مرض يحول دون حدوث الحمل بطريقة طبيعية.

ولكن من رحمة الله بنا أن رزقنا العِلم، الذي يكشف لنا باستمرار عن كل ما هو جديد لحل ما نقف أمامه عاجزين لبعض الوقت.

العقم مشكلة كبيرة، ظلت لسنوات طويلة بلا حلول، ولكن ليست بلا أمل.. فمع التقدم العلمي وخاصّةً في السنوات الأخيرة أظهر لنا العلم تقنية جديدة تُعد طفرة علمية كبيرة لحل معظم مشاكل العقم، وهي الحقن المجهري.

ما هو الحقن المجهري؟ وما الفرق بينه وبين ما يُعرف بأطفال الأنابيب؟ وما دواعي اللجوء إليه؟

سوف نجيب على كل هذه التساؤلات، ونوضح كل ما يخص الحقن المجهري في هذا المقال من أسرة وطب.

بدايةً.. كيف يتم الحمل الطبيعي دون تدخل؟

يُطلق مبيض المرأة البويضة إلى قناة فالوب -وهي القناة التي تصل الرحم بالمبيض- ما بين اليوم الثاني عشر واليوم الخامس عشر من بدء الدورة الشهرية، إذ تُلقح البويضة بالحيوان المنوي داخل هذه القناة، وتبقى البويضة المُخصبة هناك لبضعة أيام تنقسم فيها لتكوّن جنين من عدة خلايا، ثم تتجه باتجاه تجويف الرحم لتستقر به حتى نهاية مدة الحمل، وهكذا يكون الحمل طبيعيًا.

أما الحقن المجهري أو طفل الأنابيب فهو تقنية حديثة للمساعدة على الحمل إذا كان هناك عائق أمام الحمل بطريقة طبيعية.

ما الفرق بين الحقن المجهري وأطفال الأنابيب؟ وهل هو نفسه التلقيح الصناعي؟

يتصور معظم الناس أن الحقن المجهري، وطفل الأنابيب، والتلقيح الصناعي شىءٌ واحد.. ولكن في الواقع هم ليسوا كذلك، بل هم عدة صور لعملة واحدة؛ وهي المساعدة على الحمل بوسائل حديثة.

دعونا نوضح الفرق بين كلٍ منهم.

التلقيح الصناعي (artificial insemination): تؤخذ عينة السائل المنوي من الزوج، وتُعالج بطرق خاصة في المعمل؛ لزيادة تركيز الحيوانات المنوية، ثم تُحقن في رحم الزوجة وقت التبويض، لتُلقح البويضة بطريقة طبيعية داخل قناة فالوب.

أطفال الأنابيب (IVF): وهي وسيلة للمساعدة على الحمل عن طريق تلقيح البويضة بالحيوان المنوي في طبق مختبر خاص خارج جسم الزوجة، بوضع البويضة مع عينة السائل المنوي المأخوذة من الزوج المُحتوية على عدد كبير من الحيوانات المنوية، بعد معالجتها معمليًا بطرق خاصة، وتركها بعض الوقت حتى يتم التلقيح بحيوان منوي واحد، ثم تُعاد البويضة المخصبة داخل رحم الزوجة عن طريق المهبل، لتُكمل رحلة النمو الطبيعي.

وجدير بالذكر أن أول تجربة لطفل الأنبوب تمت بإنجلترا سنة 1978، نتج عنها طفلة مُكتملة بصحة جيدة تُسمى لويز براون (Louise Brown).

الحقن المجهري (ICSI): هو نوع خاص من تقنية أطفال الأنابيب، حيث يحدث الإخصاب من خلال حقن حيوان منوي واحد مباشرةً داخل البويضة المأخوذة من الزوجة، باستخدام إبرة صغيرة جدا، ثم توضع البويضة المُخصبة داخل رحم الزوجة عن طريق المهبل، أو داخل قناة فالوب.

الفرق بين الحقن المجهري

متى نلجأ للحقن المجهري أو لطفل الأنابيب؟

تُعد عملية الحقن المجهري من العمليات باهظة الثمن، والتي تتطلب تحضيرات وخطوات كثيرة مُجهدة، لذا فهي ليست الخيار الأول في كل حالات العُقم.. وإنما يسبقها تجارب علاجية أخرى قد تتغلب على مشكلة العُقم وتؤدي إلى الحمل بصورة طبيعية.

أما الحالات التي يكون الحقن المجهري فيها هو الخيار الأول فتشمل:

  • عندما يكون عُمر الزوجة فوق 40 عام.. فلا داعي لانتظار الحمل الطبيعي نظرًا لصعوبة حدوثه، وضيق الوقت.
  • عند وجود مرض جيني وراثي في العائلة، إذ يُمَكِّن الحقن المجهري من انتقاء البويضات والحيوانات المنوية السليمة غير الحاملة للمرض.
  • عند تلف قناتي فالوب أو إزالتهما كما في حالات الحمل خارج الرحم.

أما الدواعي الأخرى لإجراء الحقن المجهري فهي حالات العُقم لعوامل قد تكون عند الرجال أو عند النساء كالتالي:

1- عوامل العُقم عند الرجال:

  • قلة عدد الحيوانات المنوية.
  • ضعف حركة الحيوانات المنوية.
  • قلة جودة الحيوانات المنوية.
  • عدم قدرة الحيوانات المنوية على اختراق البويضة.

2- عوامل العُقم عند النساء:

  • انسداد في قناة فالوب كما في حالات التهاب الحوض المزمن، حيث لا يستطيع الحيوان المنوي الوصول للالتقاء بالبويضة وتخصيبها.
  • وجود بطانة الرحم المهاجرة.
  • بعض حالات الأورام الليفية بالرحم.
  • فشل المبيضين في التبويض كما في حالات تكيس المبايض.

3- العُقم لأسباب غير معروفة.

4- تكرار التلقيح الصناعي وفشله عدة مرات.

التحضير قبل الحقن المجهري:

استشير طبيبك

عند اتخاذ قرار الحقن المجهري اسألي طبيبك عن كل ما يدور بذهنك وزوجك من تساؤلات.. واسألي نفسك هل أنتِ على استعداد لتحمل النتائج أيًا كانت! مع الأخذ في الاعتبار احتمالية الفشل أو النجاح، واحتمالية الحمل بأكثر من جنين، أي توائم.

قبل بدء خطوات الحقن المجهري سوف تمرين وزوجك بمرحلة تحضيرية هامة.. سيطلب منكِ طبيبك عدة فحوصات:

  • اختبار احتياطي المبيض عن طريق تحليل نسب هرمونات معينة بالدم مثل: (FSH)، (AMH)، والاستروجين، في وقت محدد من الدورة الشهرية، وذلك بالتزامن مع تصوير المبيضين بجهاز الموجات فوق الصوتية، لتكوين فكرة عن حالة المبايض ومدى قدرتها على الاستجابة للأدوية التنشيطية لتحفيز التبويض.
  • تحليل السائل المنوي للزوج قبل عملية الحقن المجهري بمدة قصيرة.
  • فحص لتحري الأمراض المُعدية لدى الزوجين.. بما في ذلك مرض نقص المناعة المُكتسبة (الإيدز).
  • فحص للرحم بعدة وسائل مثل: الموجات فوق الصوتية، والأشعة بالصبغة، ومنظار الرحم.

خطوات الحقن المجهري:

تمر عملية الحقن المجهري بخمس خطوات وهي:

1- تنشيط التبويض

يُطلق المبيض طبيعيًا بويضة واحدة شهريًا.. وفي حالة الحقن المجهري أو طفل الأنبوب تحتاج العملية لأكثر من بويضة، وذلك لزيادة فرص التخصيب.

سوف يصف لكِ طبيبك أدوية لتنشيط المبيض وتحفيزه لإنتاج عدة بويضات.. وفي هذه الأثناء، يتابع الطبيب التبويض عن طريق اختبارات الدم، وفحص بالموجات فوق الصوتية للتأكد من إنتاج البويضات.

2- سحب البويضات الناضجة

وذلك عن طريق إبرة خاصة يمررها الطبيب من خلال المهبل إلى المبيض، ويسحب بها أكبر عدد من البويضات الناضجة من المبيضين، ويكون ذلك تحت تأثير المُخدر حتى لا تشعرين بالألم، وبمصاحبة جهاز السونار الذي يُعطي صورة لما يحدث بالداخل.

قد تستغرق هذه العملية من 10 إلى 20 دقيقة.

3- التخصيب

وذلك بحقن الحيوان المنوي مباشرة داخل البويضة باستخدام إبرة صغيرة جدًا تحت المجهر.. أو بوضع الحيوانات المنوية مع أكثر من بويضة في عدة أطباق مختبر، وانتظار التخصيب بعد حفظهم في بيئة خاصة، وإذا لم يحدث التخصيب يُحقن الحيوان المنوي بطريقة الحقن المجهري.

ويتم ذلك بعد مُعالجة السائل المنوي المأخوذ من الزوج معمليًا لتركيز الحيوانات المنوية، واستبعاد غير الصالح منها، وأيضا فحص البويضات تحت المجهر لاختيار أفضلهم لعملية التخصيب.

4- زراعة الأجنة

أي وضع البويضات المُخصبة في بيئة مناسبة، وملاحظتهم باستمرار للتأكد من انقسامهم ونموهم.

في هذه المرحلة يُمكن اختبار الأجنة معمليًا للتأكد من خلوها من التشوهات الجينية، واستبعاد المشوه منها.

5- نقل الأجنة

ويتم ذلك بعد حوالي 3-5 أيام من التخصيب.. تُنقل الأجنة إلى رحم الأم عن طريق أنبوب رفيع يمر من المهبل عبر عُنق الرحم حتى تجويف الرحم، وتُطلَق الأجنة بالداخل، وفي خلال 6-10 أيام تغرز نفسها بجدار الرحم.. وهكذا يتم الحمل، وسوف تحتاجين لعمل اختبار دم لتأكيد الحمل بعد حوالي 12-14 يوم من نقل الأجنة.

يجدر الإشارة إلى أن عدد الأجنة قد يتخطى الواحد أو الاثنين، وتعمل بعض المراكز على تجميد الأجنة الزائدة عن الحاجة لحين استخدامها فيما بعد.

فيديو توضيحي لعملية الحقن المجهري

ماذا بعد الحقن المجهري أو طفل الأنابيب؟

سيطلب منكِ طبيبك الراحة بقية اليوم، ثم يمكنك أن تمارسي نشاطك اليومي المُعتاد ابتداءً من اليوم التالي.. ويصف لكِ دواء “البروجيسترون” في صورته التُجارية لمدة 8-12 أسبوع بعد نقل الأجنة، على هيئة حُقن أو أقراص.. والبروجيسترون هو هرمون يساعد على استقرار الجنين بالرحم عن طريق تقوية البطانة الرحمية التي يتعلق بها الجنين، وهو يُفرَز أيضًا طبيعيًا من المبيض بعد الحمل، وقلة نسبة البروجسترون قد تؤدي إلى الإجهاض.

الحقن المجهري

متى أتصل بالطبيب؟

إذا كنتِ قد أجريتِ لتّوكِ عملية حقن مجهري أو طفل الأنابيب، اتصلي بالطبيب فور حدوث أي من الأعراض الآتية:

  • درجة حرارة أعلى من 38 درجة مئوية.
  • ألم بالحوض أو أسفل البطن.
  • نزيف مهبلي.
  • وجود دم بالبول.

ما هي مساوئ ومخاطر عملية الحقن المجهري؟

لا شك أن أي عملية أو إجراء طبي لا بد أن تكون لها بعض المساوئ والمخاطر.. تتلخص مساوئ ومخاطر الحقن المجهري في الآتي:

  • متلازمة فرط التحفيز للمبيض، بسبب استخدام الأدوية المُنشطة لإنتاج البويضات، ولذا لا بد من متابعة التبويض أثناء استخدام هذه الأدوية بجهاز السونار وتحاليل هرمونات الدم لتلافي حدوث هذه المشكلة.
  • حدوث الحمل المتعدد، ويعتمد ذلك على عدد الأجنة المنقولة.
  • الإجهاض.
  • الحمل خارج الرحم، إذا نُقلت الأجنة لقناة فالوب واستقرت هناك.
  • الولادة المُبكرة أو ولادة طفل قليل الوزن.
  • مخاطر أثناء عملية سحب البويضات مثل: النزيف، أو نقل العدوى، أو جرح أي من الأعضاء المحيطة بالمبيض والرحم مثل الأمعاء أو المثانة البولية.
  • فشل عملية الحقن.
  • ارتفاع التكلفة المادية.

عوامل نجاح عملية الحقن المجهري

تعتمد نسبة نجاح الحقن المجهري على عدة عوامل.. فبالإضافة للبروتوكول المُستخدم من قِبَل الطبيب، ومكان إجراء العملية من حيث الاستعداد الكامل والخبرة المطلوبة، هناك أيضًا عوامل أخرى مثل:

  • عُمر الزوجة: فكلما قل عُمر المرأة، زادت فرص نجاح عملية الحقن المجهري.
  • سبب العُقم: ترتبط حالات بطانة الرحم المهاجرة بقلة فرص النجاح، وكلما زاد مخزون البويضات بالمبيضين زادت فرص نجاح الحقن المجهري.
  • استجابة المبيضين للتنشيط من حيث عدد البويضات وجودتها.
  • نمط الحياة: فبعض العادات تقلل من فرص نجاح عملية الحقن المجهري مثل: التدخين، والسمنة، وشرب الكحوليات، والإكثار من الكافيين، واستخدام بعض الأدوية.

الحقن المجهري في مصر

تزايدت أعداد مراكز الحقن المجهري في مصر في السنين الأخيرة، وتكللت هذه العمليات بالنجاح يومًا بعد يوم بسبب اكتساب الخبرة، وتطوير التقنيات المُستخدمة، وزيادة استعداد المراكز والمستشفيات القائمة بهذه الخدمة.

أما عن أسعار الحقن المجهري في مصر فهي تعتمد على المكان ومستوى جودته، وخبرة ومهارة فريق العمل من أطباء وتمريض وفنيين، بالإضافة إلى تكلفة الأدوية المُستخدمة والعلاج اللازم قبل إجراء عملية الحقن المجهري.. مثلًا، تحتاج بعض السيدات لعمل كيّ لتكيسات المبيض قبل البدء في إجراءات العملية، بالتالي تزداد التكلفة.

وفي النهاية، تتمنى أسرة وطب لكل الأزواج والزوجات الصحة والسعادة وإنجاب أطفال أصحاء وأسوياء.

السابق
الثلاسيميا | الأسباب والأعراض وطرق التشخيص والعلاج
التالي
الصدفية | تعرَّف على طرق العلاج بالأدوية والأعشاب

تعليقان

أضف تعليقا

  1. هيثم علي قال:

    مقال جميل

  2. admin قال:

    شكرًا

التعليقات معطلة.