الطب العام

التواء الخصية حالة طارئة تستدعي التدخل السريع

بقلم د. حسين الحجار
التواء الخصية

التواء الخصية ويُسمى أيضًا التواء الحبل المنوي، هو حالة نادرة ولكنها خطيرة، تنقطع فيها التروية الدموية للخصية، ولحسن الحظ، هذا الحدث معروف نسبيًا، وغالبًا ما يصاحبه الألم الشديد الذي يؤدي إلى تشخيصه وبالتالي إنقاذ الخصية، ومع ذلك، فإن الأعراض غير النمطية لهذه الحالة، والتأخر في التعرف عليها، وتداخلها مع الأسباب الأخرى للألم الحاد في كيس الصفن، يمكن أن يؤخر التشخيص ويؤدي إلى نخر الخصية؛ الأمر الذي يتطلب استئصالها جراحيًا.

 يمثل التواء الخصية ما يصل إلى 26% من حالات كيس الصفن الحاد، وعلى الرغم من أن التواء الخصية يمكن أن يحدث في أي عمر، بما في ذلك فترات ما قبل الولادة وما بعدها، إلا أنه يحدث أكثر لدى الذكور المراهقين في الفئة العمرية من 12 إلى 18 عام، وهم يمثلون 65% من المصابين، وهذا هو السبب الأكثر شيوعًا لفقدان الخصية في تلك الفئة من السكان، و يمكن أيضًا أن يُصاب الرُضع وكبار السن بهذه الحالة، لذا دعنا نتعرف هنا في أسرة وطب على التواء الخصية، وأسبابها، وأعراضها، وطرق التشخيص والعلاج. 

ما هو التواء الخصية؟

يُعد التواء الخصية هو السبب الأشهر لحالة الطوارئ التي تخص الجهاز التناسلي للذكر، إذ تتضمن هذه الحالة ألم شديد للغاية، وخطورة قد تنتهي بفقدان الخصية؛ في حالة عدم التدخل السريع (أقل من 6 ساعات)، فعندما يحدث التواء الخصية ينقطع عنها الإمداد الدموي؛ بسبب التفاف الحبل المنوي المسئول عن تغذيتها بالدم، مما ينتج عنه تورمها وبداية تلف أنسجتها، ولكن يمكن إنقاذ الخصية بنسبة 90% في حالة سرعة التدخل، وبمرور الوقت تقل هذه النسبة حتى تصل إلى 10% في حالة التدخل بعد مرور 24 ساعة من الإصابة.

التواء الخصية

يمكن أن يكون التواء الخصية  كاملًا، أو جزئيًا، أو متقطعًا، ويحدث التواء كامل عندما تلتوي الخصية 360 درجة أو أكثر، مما يؤدي عادةً إلى عدم تدفق الدم، أما في الالتواء الجزئي، أو غير الكامل، يلتوي الحبل المنوي أقل من 360 درجة، مما يسمح ببعض التروية في الخصية، والتواء الخصية المتقطع هو بداية مفاجئة لألم الخصية من جانب واحد ولمدة قصيرة.

أعراض التواء الخصية:

يؤثر التواء الخصية غالبًا على خصية واحدة فقط، وحدوث الالتواء في كلتا الخصيتين أمر نادر، إذ تتأثر الخصية اليسرى بشكل أكثر شيوعًا، والعَرض الرئيسي لهذه الحالة هو الظهور المفاجئ لألم حاد في الخصية، غير ناتج عن إصابة معلومة، يمكن أن يحدث عندما تكون نائمًا، أو مستيقظًا، واقفًا، أو جالسًا، وقد تلاحظ أن إحدى الخصيتين أعلى من مثيلتها، وتشمل الأعراض والعلامات الأخرى:

  • تورم في أحد جانبي كيس الصفن ويكون مؤلم، ومرئي للعين.
  • ظهور كتلة واضحة في الخصية.
  • دوخة، وغثيان، وقيء.
  • دم في السائل المنوي.
  • حُمَّى.

وما يجب ذكره أيضًا أن هناك أسباب أخرى محتملة لألم الخصية الحاد مثل:

1- التهاب البربخ: يحدث هذا الالتهاب في الغالب بسبب عدوى بكتيرية، بما في ذلك الأمراض المنقولة جنسيًا مثل السيلان والكلاميديا، وقد يحدث أيضًا بسبب تضخم البروستاتا الحميد، وتظهر أعراض التهاب البربخ تدريجيًا وتشمل: ألم الخصية، وتبول مؤلم، واحمرار، وتورم.

2- التهاب الخصية: قد يحدث الالتهاب بسبب بكتيري أو فيروسي، وفي معظم الحالات يرتبط بمرض “النكاف” Mumps.

3- التواء زائدة الخصية: هناك قطعة صغيرة من الأنسجة الطبيعية تقع في الجزء العلوي من الخصية، وهي بقايا أنسجة من الفترة التي كانت فيها الخصية داخل تجويف البطن تسمى “زائدة الخصية”، وهي ليس لها أي وظيفة، ولكن إذا تحور هذا النسيج، فقد يتسبب في ظهور أعراض مشابهة لحالة التواء الخصية، مثل الألم والاحمرار والتورم.

4- حالات أخرى قد تسبب ألم في الخصية مثل: الفتق الإربي، حصى في الكلى، دوالي الخصية… وغيرها.

أسباب التواء الخصية:

التواء الخصية هو عادةً حدثٌ عفوي، وعادةً لا يوجد سبب يسبقه، ولكن هناك بعض العوامل التي تزيد من فرص حدوث هذا الالتواء مثل:

(أ) العوامل الخِلقية:

 توجد الخصيتان داخل كيس من الجلد يسمى (كيس الصفن) أسفل القضيب.. وفي معظم الذكور لا تكون الخصية قادرة على الحركة بحرية لأنها مرتبطة بالصفن بواسطة أنسجة ضامة قوية، ولكن هناك صفة قد يولد بها الذكر تسمى ” تشوه كلابر الجرسي”، هذا التشوه يمثل 90% من حالات التواء الخصية حيث تكون تلك الأنسجة ضعيفة وتكون الخصية معلقة وحرة الحركة  والتأرجح ( ما يشبه حركة الجرس)؛ فيسبب هذا التواء الخصية.

يمكن أن يكون “تشوه كلابر الجرسي” صفة متوارثة تؤثر على الأشقاء أو الأجيال المتعاقبة، وقد يساهم إدراك أن الآخرين في عائلتك قد عانوا من التواء الخصية لهذا السبب؛ في طلب علاج الطوارئ على الفور إذا كانت أعراض هذا الحدث تظهر عليك أو على أحد أفراد أسرتك.

(ب) عوامل أخرى:

يمكن أن يحدث التواء الخصية عندما تمارس نشاطًا بدنيًا عنيفًا، أو بعد الإصابة في الفخذ، مثل  حوادث الرياضة؛ لذا يجب عليك ارتداء تلك الملابس الواقية في حالة ممارسة أي رياضة تتضمن التلامس العنيف، وقد يحدث أيضًا التواء الخصية بسبب النمو السريع للخصيتين خلال فترة البلوغ، أو بسبب حالة الطقس مثل التعرض للبرودة الشديدة بعد التواجد فترة داخل غرفة دافئة؛ مما يسبب انقباض مفاجئ للخصية وقد يؤدي إلى التوائها. 

تشخيص التواء الخصية:

 تشمل الاختبارات التي يمكن استخدامها لتشخيص هذه الحالة:

(1)- الاختبارات المعملية: مثل اختبارات البول التي تبحث عن العدوى، أو اختبارات الدم، وبشكلٍ عام لا تكون هذه الاختبارات مفيدة من الناحية التشخيصية في التمييز بين التواء الخصية ومتلازمات الصفن الحادة الأخرى، وتكون نتائج تحليل البول سلبية في 98 %من الحالات، وقد تحدث زيادة خفيفة في عدد كريات الدم البيضاء فيما يصل إلى 30 % من المرضى.

(2)- الفحص البدني: يقوم به أخصائي المسالك البولية، فيستمع إلى شكواك ووصفك للأعراض، وكذلك التاريخ العائلي الطبي، ثم يبحث عن التورم ويقوم بقرص الفخذ من الداخل ويلاحظ ردود أفعالك، في الحالات الطبيعية يسبب ذلك تقلص الخصية ولكن لا يحدث ذلك غالبًا في حالة التواء الخصية، ولا يُنصح بالكشف اليدوي للخصية المتأثرة إذا كانت مدة الالتواء أطول من 6 ساعات. 

(3)- تصوير كيس الصفن: نظرًا لخطورة الحالة، يُعد التشخيص السريع أمرًا حيويًا حتى لا يفقد الشخص خصيته، ولكن في بعض الأحيان، إذا لم يكن طبيب المسالك البولية متاحًا، أو عندما يكون هناك اشتباه بسيط في التواء الخصية، يمكن استخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية دوبلر أو التصوير بالرنين المغناطيسي. ويستخدم إجراء الموجات فوق الصوتية للصفن باستخدام إشارات دوبلر من أجل تحديد تدفق الدم داخل نسيج الخصية؛ فإذا كان تدفق الدم أقل من المعدل الطبيعي فربما يدل ذلك على التواء الخصية.

يُظهِر التصوير معلومات تخص تشريح كيس الصفن واضطرابات الخصية الأخرى، ومنها “علامة الدوامة”، وهو نمط شبيه بالدوامة يتضح في الحبل المنوي باستخدام الموجات فوق الصوتية عالية الدقة القياسية، أو التصوير بالموجات فوق الصوتية “دوبلر الملون”، وهي تُعد علامة قاطعة على التواء الخصية في المرضى من الأطفال والبالغين، ولكن دورها محدود في حديثي الولادة، وتشير ايضًا بعض الدراسات إلى أن التصوير بالرنين المغناطيسي، مع تعزيز التباين، هو إجراء دقيق للغاية في إظهار التواء الخصية، خاصة عندما تكون أنماط الالتواء أو الدوامة واضحة.

 ما هي المضاعفات المتوقعة في حالة التأخر، أو عدم علاج التواء الخصية؟

التواء الخصية حالة طارئة تتطلب رعاية فورية، عندما لا يتم علاجها بسرعة، أو على الإطلاق، يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى مضاعفات خطيرة، وتشمل:

  • عدوى: تحدث في حالة عدم إزالة نسيج الخصية الميت أو التالف بشدة، فقد تحدث الغرغرينا، وهي عدوى ربما تهدد الحياة، تنتشر بسرعة في جميع أنحاء الجسم؛ مما ينتج عنه الصدمة.
  • العقم: التواء الخصية غير المُعالج، يمكن أن يؤدي إلى ضمور الخصية، أي تقلص حجمها بشكل كبير، ويمكن أن تصبح الخصية الضامرة غير قادرة على إنتاج الحيوانات المنوية، وإذا حدث ضرر لكلٍ من الخصيتين، سيسبب ذلك العقم، ولكن إذا فقدت إحدى الخصيتين فلن يؤثر ذلك على خصوبتك.
  • موت الخصية: في حالة عدم علاج التواء الخصية لأكثر من عدة ساعات، فقد تتضرر الخصية بشدة، ويستدعي ذلك استئصالها جراحيًا، بينما يمكن الحِفاظ عليها إذا عُولجت في غضون من أربع إلى ست ساعات، بينما بعد فترة 12 ساعة، هناك فرصة بنسبة 50 بالمائة لإنقاذها، وبعد 24 ساعة، تنخفض هذه الفرصة إلى 10 بالمائة.
  • حدوث التشوه في شكل الجسم: يمكن أن يؤدي فقدان إحدى الخصيتين إلى حدوث تشوه في شكل الجسم جماليًا، وقد ينتج عن ذلك اضطرابًا عاطفيًا، ولكن يمكن معالجة ذلك باستخدام خصية بديلة.

يفقد المواليد الجدد الذين يعانون من التواء الخصية خصياتهم؛ لأن تدفق الدم قد توقف لفترة طويلة وماتت الأنسجة (أصبحت محاصرة)، وتُجرى العملية الجراحية لإزالة الخصية الميتة وتثبيت الخصية الأخرى بالخياطة؛ حتى لا تلتوي في وقت لاحق من الحياة.

ما هي التوقعات طويلة الأجل للأشخاص الذين يعانون من التواء الخصية؟

وفقًا لموقع TeensHealth، فإن 90 % من الأشخاص الذين عولجوا من التواء الخصية في غضون أربع إلى ست ساعات من ظهور الألم، لا يحتاجون إلى استئصال الخصية، ولكن إذا تأخر العلاج لمدة 24 ساعة أو أكثر بعد بدء الألم، فإن ما يُقدر بنحو 90 % يحتاجون إلى جراحة الاستئصال، وإذا بدأ جسمك في صنع أجسام مضادة للحيوانات المنوية بسبب التواء الخصية، فإن هذا قد يقلل من قدرة الحيوانات المنوية على الحركة.

يجب عليك التماس العناية الطبية الطارئة على الفور إذا كنت تشك في أنك أو طفلك تعاني من التواء الخصية لتجنب هذه المضاعفات المحتملة.

كيف يتم علاج التواء الخصية؟

يتردد العديد من المراهقين، في القول بأنهم يتألمون، ولا يسعون للعلاج على الفور، فيجب عليهم عدم تجاهل ألم الخصية الحاد، وغالبًا ما يكون الإصلاح الجراحي، ويسمى “orchiopexy” مطلوبًا لعلاج التواء الخصية، وفي بعض الحالات النادرة، قد يكون طبيبك قادرًا على فك الحبل المنوي يدويًا أثناء الفحص الظاهري، ولكن في حالة التعرض للإصابة مدة أكثر من 6 ساعات؛ يجب أن تُجرى الجراحة في أسرع وقت ممكن لاستعادة تدفق الدم إلى الخصية.

يقوم الطبيب تحت تأثير التخدير العام، بعمل شق صغير في كيس الصفن وفك الحبل المنوي الملتف، ثم يثبت الخصية في مكانها في الصفن باستخدام الغرز الصغيرة، هذا من شأنه يمنع دورانها مرة أخرى، سوف يقوم أيضًا بإصلاح الخصية غير المتأثرة لمنع التواء الخصية في المستقبل لأن “تشوه كلابر الجرسي” غالبًا يكون موجود في كلا الجانبين، ثم يقوم الجراح بعد ذلك بإغلاق الشق، تستغرق العملية الجراحية لربط الخصيتين في كيس الصفن حوالي 45 دقيقة، وبعد الانتهاء ستمكث ليلة واحدة فقط في المستشفى.

ماذا بعد العلاج الجراحي؟

كما هو الحال مع أي عملية جراحية، قد تشعر بعدم الراحة بعد الجراحة، ولكنه أقل من التألم بسبب التواء الخصية، كما أن طبيبك سيصف لك دواء مسكن للألم، ومن المُرجح أن تُستخدم خيوط قابلة للذوبان في هذه العملية، لذا لن تحتاج إلى إزالتها.

 توقع تورم كيس الصفن لديك لمدة أسبوعين إلى أربعة أسابيع، ويمكنك استخدام ضمادة ثلج عدة مرات في اليوم لمدة 10 إلى 20 دقيقة؛ فهذا يساعد على تقليل التورم.

يمكن للشق الذي أُجري أثناء الجراحة أن تخرج منه الإفرازات لمدة يوم إلى يومين؛ لذلك  تأكد من الحفاظ على نظافة المنطقة بالغُسل بلطف باستخدام الماء الدافئ والصابون. سيوصي طبيبك بالامتناع عن ممارسة أنشطة معينة لعدة أسابيع بعد إصلاح التواء الخصية، مثل النشاط الجنسي والتحفيز، كما يُنصح بتجنب الأنشطة الرياضية مثل رفع الأثقال، أو الأعمال الشاقة والإجهاد خلال هذا الوقت، وتأكد من الحصول على قسط كبير من الراحة للسماح لجسمك بالتعافي بشكل كامل، مع المشي قليلا كل يوم؛ يساعد ذلك في زيادة تدفق الدم إلى المنطقة.

 إن التواء الخصية هو حالة طوارئ حقيقية، ويجب تمييزها عن الشكاوى الأخرى المتعلقة بألم الخصية لأن التأخير في التشخيص والعلاج يمكن أن يؤدي إلى فقدان الخصية، قد يكون هناك حرجًا لدى المريض ما قبل البلوغ أو في مرحلة البلوغ من الكشف عن آلام الصفن، وقد يتصور المريض المراهق أن ألم الصفن الذي يشار إليه في أسفل البطن، ليس من أصل الصفن أو الخصية؛ لهذا السبب يجب على أي فتى مراهق يشكو من آلام أسفل البطن الخضوع لفحص الأعضاء التناسلية الخارجية؛ لاستبعاد احتمال الإصابة بأمراض الصفن أو الخصية، وخاصة التواء الخصية

السابق
أنيميا نقص الحديد.. الدليل المختصرللوقاية والعلاج
التالي
الدهون الصحية |5 مصادر لـ اوميجا3 و4 فوائد سحرية للبيض