الطب العام

ارتجاع المريء أسبابه وأعراضه والمضاعفات وطرق العلاج

بقلم د. مجدي راشد
ارتجاع المريء
صورة توضح الفرق بين الصمام السفلي للمريء السليم والضعيف

انتشرت أمراض الجهاز الهضمي بصورة كبيرة نتيجة للعادات الخاطئة التي نتجت عن نمط الحياة السريع، منها أمراض ما يُسمى بمتلازمة الأيض الغذائي أو التمثيل الغذائي (Metabolic Syndrome)؛ مثل السمنة وما يترتب عليها من أمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وأمراض الغدة الدرقية، وكذلك قُرح المعدة والاثنى عشر وارتباط بعضها بجرثومة المعدة، وأمراض مناعية كثيرة ناتجة عن نمط الأكل وقلة الحركة، مثل مرض السيلياك وحساسية الجلوتين، ومرض ارتجاع المريء أو ما يُطلق عليه الارتداد المعدي المريئي، ويُعرف بالانجليزية اختصارًا (GERD) أو (Gastro-esophageal Reflux).  

دعونا نُلقي الضوء في أسرة وطب على مرض ارتجاع المريء، ما هو؟ وما هي أسبابه؟، وأعراضه، ومضاعفاته، وطُرق تشخيصه وعلاجه.

ما هو مرض ارتجاع المريء؟:

عند تناول الطعام يمر في مساره الطبيعي؛ من الفم إلى البلعوم ثم إلى المريء (أنبوب طويل يصل بين البلعوم والمعدة)، تساعد حركة عضلات المريء الطبيعية (Peristaltic movement)؛ في دفع الطعام إلى المعدة عبر صمام العضلة السفلية العاصرة (بوابة المعدة)؛ الذي يمنع ارتداد حمض المعدة والطعام إلى المريء، عندما تضعُف هذه العضلة ترتد عصارة المعدة إلى المريء وقد تصل إلى الفم والحنجرة، وتدخل إلى الأذن والرئتين، وتُسمى هذه الحالة ارتجاع المريء.

ما هي مضاعفات ارتداد حمض المعدة إلى المريء؟

  • تختلف نوع خلايا بطانة المريء عن خلايا المعدة؛ وهي غير مُهيئة لتحمل حمض المعدة، في حالة ارتجاع المريء تحدث عدة تغيرات على نسيج بطانة المريء على مراحل؛ تبدأ أولًا بالتهاب المريء المزمن (Esophagitis).
  • ثم يحدث تليف للخلايا يُسبب تضيُّق في المريء (Esophageal Stricture)؛ مما يتسبب مع مرور الوقت في صعوبة وألم عند البلع. 
  • إذا استمر الالتهاب وارتجاع المريء دون علاج فعَّال لعدة سنوات؛ يحدث تحوّر في خلايا المريء وتتحول إلى خلايا تُشبه خلايا الأمعاء؛ وهي حالة خطيرة تُسمى متلازمة باريت (Barretts esophagus)؛ تُشخص بواسطة المنظار وأخذ خزعة، وتتطلب تدخل جراحي. 
  • وقد تتطور في بعض الحالات إلى سرطان المريء.

ما هي العوامل المؤدية إلى حدوث ضعف في هذا الصمام وارتجاع المريء؟

  • حدوث خلل في حركة عضلات المريء نتيجة بعض الأدوية مثل بعض مضادات الاكتئاب، وتناول الكحول، وكذلك نتيجة تليف نسيج خلايا المريء بسبب تعرضها المتكرر لحمض المعدة مما يُفقدها مرونتها.
  • زيادة الضغط الداخلي للمعدة نتيجة عدة عوامل مثل:
  1. الحمل: يُحدث ضغط على المعدة.
  2. زيادة الوزن: تُشكل ضغط على المعدة نتيجة زيادة حجم البطن.
  3. لبس الأحزمة والمشدات، والملابس الضيقة.
  4. المبالغة في حجم الوجبات، مما يؤخر عملية إفراغ المعدة، وشرب المياه الغازية.
  5. بعض الأدوية: مثل أدوية المغص التي تسبب تأخر في إفراغ المعدة، مضادات الهيستامين التي تُستخدم لعلاج بعض أنواع الحساسية، حاصرات قنوات الكالسيوم (Calcium channel blockers)؛ المستخدمة في خفض ضغط الدم وتنظيم ضربات القلب؛ تسبب ارتخاء في عضلة الصمام.
  6. التدخين.
  7. الفتق الحجابي: فتق يحدث في فرجة الحجاب الحاجز التي يمر من خلالها المريء من التجويف الصدري إلى التجويف البطني، ينتج عنه بروز جزء من المعدة إلى التجويف الصدري؛ يضغط على الصمام ويُضعفه، مما يتسبب في ارتجاع المريء.

الفتق الحجابي وتأثيره على ارتجاع المريء؟

أعراض ارتجاع المريء
صورة توضح الفتق الحجابي الذي يحدث في الحجاب الحاجز و ينتج عنه بروز جزء من المعدة إلى التجويف الصدري؛ يضغط على الصمام ويُضعفه، مما يتسبب في ارتجاع المريء.

يمر المريء من خلال فتحة في الحجاب الحاجز الذي يفصل بين التجويف الصدري والتجويف البطني، تُسمى هذه الفتحة الفُرْجة الحجابيّة (Hiatus)، في الوضع الطبيعي تكون المعدة والصمام الفاصل بين المريء والمعدة أسفل هذه الفرجة الحجابية، عندما يحدث فتق في الفُرجة الحجابية؛ أو تمزق أو اتساع نتيجة ضعف العضلة يبرز الجزء العلوي من المعدة من خلال هذه الفتحة إلى التجويف الصدري، تُسمى هذه الحالة بالفتق الحجابي (Hiatal hernia)، نتيجة لهذه الحالة يضغط هذا الجزء على الصمام الفاصل بين المريء والمعدة؛ ويسبب ضعف في عضلة هذا الصمام مما يؤدي إلى ارتجاع الطعام وحمض المعدة إلى المريء، ويزيد الشعور بحرقة الصدر في المنطقة أسفل التجويف الصدري، بالإضافة إلى انتفاخ وميل للقيء.



ما هي أعراض ارتجاع المريء؟

تتفاوت أعراض ارتجاع المريء حسب درجة الإصابة، ونمط حياة المريض، والمرحلة التي وصل إليها المريض نتيجة المضاعفات:

  • حموضة زائدة وحرقة في المعدة، مصحوبة أحيانًا بألم شديد في الصدر.
  • مرارة في الفم.
  • شرقة، وسعال جاف (يكون مرتبط أحيانًا بالوجبات الثقيلة والنوم بعدها، أو مستمر دون ارتباط بالوجبات أو النوم).
  • ارتجاع حمض المعدة والطعام إلى المريء والفم.
  • ميل للقيء.
  • صعوبة وألم عند البلع.
  • بحة وتغير في الصوت.
  • التهابات متكررة في الأذن الوسطى.
  • تكرار الإصابة بالالتهاب الرئوي، ونوبات ضيق في التنفس خاصة في مرضى الربو.

تشخيص ارتجاع المريء:

(تلتبس أعراض حرقة المعدة الناتجة عن ارتجاع المريء؛ وآلام الذبحة الصدرية أو الأزمة القلبية؛ على الكثير من الأطباء، ويصعُب التفريق بينهما، لذلك يلجأ الطبيب إلى وضع احتمال الإصابة بأزمة قلبية؛ ويقوم بإجراء فحوصات للتأكد من أنها ليست أزمة قلبية).

تُشخص حالة ارتجاع المريء بإحدى الوسائل التالية:  

  • الفحص البدني وتاريخ الأعراض، والعلامات الدالة على احتمالية الارتجاع، مثل المشاكل الهضمية عامة، وتاريخ الإصابة بقرحة المعدة إن وُجد، والتهابات الحنجرة والسعال المستمر وخشونة الصوت (لتأكيد التشخيص قد يلجأ الطبيب لوسيلة أخرى من وسائل الفحص).
  • التنظير العلوي وأخذ عينة للتأكد من حالة المريء، قد يكشف عن التهاب المريء، أو مضاعفات أخرى مثل تضيُّق المريء أو مريء باريت (يتم التأكد عن طريق أخذ عينة وفحصها)، في أغلب الأحيان تكون النتائج طبيعية خاصة إذا كانت الشكوى حديثة.
  • اختبار مسبار حمض المعدة (PH): عبارة عن أنبوب مرن يدخل من خلال الأنف إلى داخل المريء، ويكون موصول بجهاز كمبيوتر صغير يتم تثبيته بحزام على الخصر أو الكتف، ويقيس وقت ومدة ارتجاع الحمض إلى المريء خلال 24 ساعة.
  • اختبار قياس حركية وضغط المريء (Manometry): يُمرر أنبوب مرن ورفيع مُزود بمستشعرات ضغط عبر الأنف باتجاه المريء إلى المعدة، يقيس قوة تقلصات العضلات النظمية في المريء عند البلع، كما يقيس نمط موجات انقباضات عضلات المريء، والقوة التي تبذلها لدفع الطعام باتجاه المعدة.

علاج ارتجاع المريء:

ينقسم علاج ارتجاع المريء إلى ثلاث خطوات بالترتيب، حسب درجة المرض والمضاعفات:

  • تغيير نمط الحياة:

تتحسن نسبة كبيرة من مرضى ارتجاع المريء خاصةً الحالات الخفيفة والمتوسطة؛ على تغيير نمط حياتهم، وقد لا تحتاج إلى أي علاج دوائي أو جراحي، وتمثل هذه النسبة ما لا يقل عن 70-80% من الحالات، يُنصح باتباع الاحتياطات التالية:

  •  تجنُّب لبس الملابس الضيقة والمشدات والأحزمة.
  •  تخفيض الوزن.
  •  ممارسة الرياضة بانتظام؛ خاصةً رياضة السير والسباحة.
  •  البُعد عن تناول الوجبات الثقيلة وملء المعدة، ويُنصح بتناول وجبات صغيرة على فترات، وتجنب النوم قبل مرور ثلاث ساعات على تناول الوجبة.
  •  الامتناع عن التدخين.
  •  تجنُّب أو تقليل المأكولات والمشروبات التالية: المياه الغازية، اللبن ومشتقاته، القهوة، الشيكولاتة، السكريات، المخبوزات بكثرة لاحتوائها على مادة الجلوتين، الطماطم، البصل والثوم، النعناع، الموالح، الخل، المأكولات عالية الدهون، المسكنات إلا للضرورة.
  •  يُفضل النوم على وسائد مُرتفعة، أو رفع مُقدمة السرير، وعدم الانحناء إلى الأمام أثناء نوبة الارتجاع.
  •  مأكولات وأعشاب قد تساعد في تحسين الحالة: العرق سوس (مع مراعاة عدم تناوله بالنسبة لمرضى السكري، وضغط الدم المرتفع، والحوامل والمرضعات)، الزنجبيل (بكمية بسيطة)، التفاح والموز، والبروكلي والقرنبيط، والخضروات الورقية، والخيار، والبطاطا، واللوز.
  • العلاج الدوائي لمرضى ارتجاع المريء:

الهدف الأساسي من العلاج الدوائي هو السيطرة على إفراز حمض المعدة؛ في الحالات التي لم تتحسن بشكل كامل على تغيير نمط الحياة، وعلاج التهاب المريء، والسيطرة على المضاعفات الخطيرة التي قد تحدث نتيجة إهمال الحالة، ويكون العلاج تدريجي حسب الحالة وقوة الدواء المُستخدم كالتالي:

  •  مُضادات الحموضة البسيطة: التي تعادل حمض المعدة فقط دون تثبيط إفرازه، تُستخدم في حالات الارتجاع الخفيفة بعد الوجبات وقبل النوم، قد تتسبب في الإمساك، وتقلل من امتصاص بعض الأدوية مثل الحديد والكالسيوم والفيتامينات والمعادن، وتؤثر أيضًا على امتصاص بعض المضادات الحيوية، وهرمون نقص الغدة الدرقية، لذلك يجب تناولها قبل هذه الأدوية بساعتين أو بعدها بساعتين.
  •  مُثبطات إفراز الحمض (مثبطات مُستقبلات H2): تُستخدم في حالات الارتجاع الخفيفة والمتوسطة، وأشهرها مادة الرانتدين.
  •  مثبطات ضخ البروتون (Proton pump inhibitors): تُستخدم في حالات ارتجاع المريء المتوسطة والشديدة التي لا تستجيب على مثبطات H2 ونمط الحياة، تُعد أشهرها إيزوميبرازول و أوميبرازول ولانزوبرازول، وتُشير الأبحاث إلى أن أعراض ارتجاع المريء تتحسن بعد أربعة أسابيع من استخدام مثبطات البروتون، ويحتاج التئام التهاب المريء (Esophagitis) إلى ثمانية أسابيع من مُثبطات البروتون ونمط الحياة، يؤثر طول فترة استخدام هذه المجموعة على توازن الكالسيوم في الجسم، وعلى بعض الأدوية، ومرضى القلب، وهشاشة العظام خاصةً النساء بعد سن انقطاع الطمث، وتتسبب في بعض مشاكل الكلى، وتؤثر على توازن البكتيريا الصالحة في الأمعاء مما يتسبب في اضطرابات الجهاز الهضمي.
  •  Prokinetic Agents منشطات حركية الجهاز الهضمي: قد تُضاف إلى مُثبطات ضخ البروتون حتى تساعد على انتظام حركة المريء، مثل مادة الميتوكلوبراميد ولكن لا يُفضل استخدامها لفترات طويلة.   
  • علاج ارتجاع المريء بواسطة التدخل الجراحي: يلجأ الأطباء إلى الحل الجراحي بعد فشل الإجراءات السابقة، أو إذا احتاج المريض إلى تناول العلاج مدى الحياة، أو إذا كان لا يستطيع تناول العلاج بانتظام، كذلك في حالة حدوث مضاعفات ناتجة عن ارتجاع المريء؛ مثل تكرار الالتهابات الرئوية أو التقرحات المُزمنة في الغشاء المُخاطي للمريء أو تغير نوعية خلايا الجزء السفلي من المريء (مريء باريت)؛ التي قد تتحول إلى سرطان. 

تُعد حاليًا عملية تحزيم المريء (Laparoscopic Nissen Fundoplication) هي الأكثر شيوعًا، يُحرر الطبيب من خلال فتحات صغيرة أعلى البطن؛ الجزء العلوي من المعدة المتصل بالمريء، ثم يُدوِّره حول المريء ليلتف حول الجزء السفلي من المريء، مما ينتج عنه شد عضلة المريء ومنع ارتجاع سوائل المعدة إلى المريء.

تختفي أعراض الارتجاع خلال بضعة أسابيع عند مُعظم الحالات وقد تختفي بصورة دائمة، قد يُعاني بعض المرضى من بعض الأعراض المؤقتة مثل صعوبة البلع؛ أو عدم القدرة على التجشؤ، أو انتفاخ في البطن لمدة أسبوع أو أسبوعين، ثم تزول هذه الأعراض وتأخذ فتحة المريء مع المعدة حجمها وقوة انقباضها الطبيعي،  يتمكن المريض من مغادرة المستشفى بعد يوم واحد من إجراء العملية، والعودة إلى العمل خلال أسبوع.  

يُعد اتباع نمط حياة صحي من أهم وأول الخطوات التي يُنصح باتباعها في خطة علاج العديد من الأمراض، خاصةً أمراض متلازمة الأيض الغذائي؛ التي تتسبب في الإصابة بعدة أمراض خطيرة ومزمنة، تبدأ بالسمنة الزائدة وتنتهي بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني وتصل في بعض الأحيان إلى الإصابة بالسرطان.

السابق
حساسية الصدر | أسبابها وأعراضها وعلاجاتها المختلفة
التالي
اسعار زراعة الاسنان في مصر والعالم العربي