التغذية الصحية

تقوية جهاز المناعة بين الحقيقة والوهم

بقلم د. مجدي راشد
المناعة

سألني صديقي المُقرَّب مُمازحًا: أتعجب منكم أخصائيي التغذية؛ تدَّعون أن تقوية جهاز المناعة فيما تعرضونه من مكملات وأعشاب فهذا الصنف يعمل على تقوية جهاز المناعة وذاك يقي من مرض كذا وكذا، وإذا أكلت هذا الصنف فلن تقترب منك الكورونا، حتى قبل الكورونا تُحرِّمون علينا أكلات نشتهيها وتنصحون بأخرى لا نستسيغها، حتى أني أتخيل نفسي إذا طبقت توجيهاتكم بطلًا خارقًا لا يقدر عليه أي مرض ولا يزوره أي عَرَضْ!!. 

تبسَّمت ضاحكًا وقلت له: أولًا لم أنصح من قبل بمكملات من أجل تقوية جهاز المناعة إلا في حالات مُعيَّنة وفي أضيق الحدود، لكني أُركز على ما هو في مُتناول مُعظمنا من طعام وشراب سواءً بالمنع أو التقليل أو بزيادة تناوله، وكذلك نمط الحياة من نوم وحركة وصحة نفسية وماله من أثرٍ كبير على تقوية جهاز المناعة والصحة بصفة عامة، أما مُصطلح “تقوية جهاز المناعة” فأنا لا أستسيغه؛ لأننا إذا كفينا جهازنا المناعي شرَّ مُمارساتنا اليومية فسوف نحافظ عليه كما خُلقنا به، لذلك أُفضل مُصطلح “المُحافظة على جهاز المناعة”، والاعتماد على المُكملات المُنتشرة في الأسواق هو تسطيح يُخلُّ بمفهوم المناعة المُعقَّد.

قال لي: وماذا عن سيل الإعلانات والنصائح باستخدام المُكملات والأعشاب المُنتشرة في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ بدعوى تقوية جهاز المناعة؟!!.

قلت له: دعك منها فإن معظمها له أغراض تجارية في ظل غياب الرقابة والمُحاسبة، ودعني أسألك ماذا تفعل في وعاء مليء بالثقوب حتى تملأه بالماء؟ ألا يكون من الحكمة أن تتخير وعاءً سليمًا أو تسد هذه الثقوب قبل صب الماء؟.

رد عليَّ: أتفق معك. قلت: كذلك هو مفهوم التعامل مع أجسامنا و جهازنا المناعي، الأَوْلَى أن نحافظ على جهاز المناعة في أطفالنا منذ ولادتهم، ونسد ما تسببنا فيه نحن بممارساتنا أو المؤثرات المحيطة بنا من ثقوبٍ في جهازنا المناعي، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن مُعظم مشاكل جهاز المناعة من الممكن تداركها إلى حد كبير في أي مرحلة عمرية بدرجات متفاوتة.

قال لي: أشعر بأنكم تستهدفون طبقة مُرفهة تستطيع أن تُنفق على خطط التغذية المُكلِفة، وتنسوْن الطبقات المتوسطة والفقيرة.

قلت له: بالعكس فإن خطط التغذية بالمفهوم الذي تحدثت عنه في متناول جميع الطبقات، ومصر من نِعم الله عليها (بلد مواسم) لا يكاد يخلو موسم من أنواع الخضروات والفواكه المليئة بالفوائد؛ ومعظمها في متناول الجميع، والطبقات الكادحة تُمارس مجهود بدني طبيعي يُساعد في تقوية جهاز المناعة ويُغني عن البرامج الرياضية؛ وليس لديها رفاهية شراء الأطعمة الضارة من وجبات سريعة وحلويات كلها سكر ودهون لارتفاع ثمنها؛ لذلك فإن مُصطلح “سوء التغذية” ينطبق على الطبقات ذات القدرة المادية العالية.

سألني وقد بدت عليه علامات الارتياح والجدية: قل لي باختصار أفهمه ماذا أفعل من أجل تقوية جهاز المناعة؛ أقصد المُحافظة عليه؟.

قلت له: قبل أن نتحدث عن تقوية جهاز المناعة وكيف نحافظ عليه، دعنا نُفكر سويًا في العوامل التي تحيط بنا خلال ممارساتنا اليومية ومدى تأثيرها على صحتنا بوجه عام، نتعرض يوميًا لعوامل البيئة المحيطة بنا ونتأثر بها، وتتعرض أجسامنا لتأثير ما نأكله ونشربه من طعام وشراب ودواء، وتختلف عاداتنا ومدى تلبية احتياجات أجسامنا من النوم فترات كافية وممارسة الرياضة والحركة، كل هذه العوامل تؤثر سلبًا وإيجابًا على صحتنا بصفة عامة وعلى جهاز المناعة.

وتتفاوت درجات التعرض لهذه العوامل من شخص لآخر حسب طبيعة عمله ونمط حياته اليومي، وتختلف أيضا الحالة المرضية من شخص لآخر مما يؤثر على درجة تأثره بهذه العوامل.

العوامل البيئية ونمط الحياة الحديثة المؤثرة على المناعة

  • التلوث نتيجة: عوادم المصانع والسيارات، والمبيدات والأسمدة الكيماوية.
  • التدخين وآثاره المتعددة على أعضاء الجسم.
  • التعرض لمختلف أنواع الإشعاعات مثل الأشعة الفوق بنفسجية؛ نتيجة التعرض للشمس لفترات طويلة في أوقات الظُهر، والإشعاعات التشخيصية والعلاجية.
  • ضغوط العمل، والتوتر العصبي.
  • قلة النوم، وقلة الحركة.
  • التغذية السيئة وما يترتب عليها من أضرار كبيرة على الصحة.

قال لي: هذه هي حياتنا ولا مفر من كل هذه العوامل، كيف نتفادى أثرها ونُحافظ على جهاز المناعة؟

قلت له: هناك عوامل لا نستطيع السيطرة عليها كأفراد، مثل عوادم المصانع والسيارات لكن من الممكن أن نتجنب العوامل الأخرى قدر المُستطاع ونحاول إصلاحها؛ مثل تغيير نمط الحياة من أكل وحركة ونوم والتعرض للتوترات.

ينتج عن التعرض لهذه العوامل في أجسامنا ما يُعرف بالشوارد الحرة؛ وهي ناتجة عن خلل في التوازن بين عوامل الأكسدة والعوامل المُضادة للتأكسد، وهذا يؤدي إلى تلف أغشية الخلايا وزيادة نفاذيتها وخلل في وظائف المُستقبلات، ومع الوقت نُصاب بأمراض خطيرة مثل أمراض القلب والشرايين، والتهاب المفاصل، ومرض السكري من النوع الثاني، والشيخوخة المبكرة والتجاعيد.

قال لي: ما كُلُّ هذا؟ نحن نأكل ونشرب ولا يُصيبنا شيء مما تقوله، أراك تُبالغ كثيرًا.

قلت له: حتى يكون الأكل مُفيدًا وغير ضار؛ يجب ألا يضرك في وقت تناوله ولا بعد تناوله بعشرات السنين، آثار التغذية السيئة هي تراكمات تحدث على مدى سنوات قد تطول وقد تقل، ولكن لا تُقارن نفسك ومناعتك وأنت تأكل أطعمة ضارة بمن ينتقي طعامه على أسس صحية سليمة، وحتى لا أُطيل عليك سوف أذكر لك مفهوم وتأثير الغذاء ونمط الحياة على أجسامنا وعلى تقوبة جهاز المناعة؛ واجعلها ثقافة عامة تُلازمك في حياتك دون اللجوء إلى نصائح أخصائيي التغذية. 

يعتمد مفهوم التغذية الصحية على تجنب أطعمة معينة، وتناول أطعمة أخرى ومعظمها في متناول الجميع، نهدف فيها إلى تجنب الإصابة بالالتهاب المزمن، والسمنة التي تؤدي إلى معظم أمراض التمثيل الغذائي، وتجنب الإجهاد التأكسدي الذي يحدث نتيجة الشوارد الحرة نتيجة العوامل التي ذكرناها، كل هذا يُمكن تجنبه بأطعمة مضادة للالتهاب وغنية بمضادات الأكسدة والألياف والعناصر الأساسية التي تحتاجها أجسامنا.

دور التغذية الصحية في تقليل الالتهاب وتقوية المناعة

يفتقر النظام الغذائي الغربي الذي انتشر عندنا في صورة مطاعم الوجبات السريعة، والأطعمة المُصنَّعة إلى عناصر هامة نسميها Micronutrients وهي الفيتامينات والمعادن (الموجودة في الخضروات والفاكهة) كما يفتقر إلى أوميجا 3 والألياف، ويحتوي على كمية كبيرة من الملح والأوميجا 6 (في زيوت القلي النباتية)، والسمن الصناعي المُهدرج (Trans-fats)، والسكر، ومنتجات الدقيق الأبيض، كل هذه المواد تؤدي إلى الالتهاب المزمن وتُضعف المناعة.

أما الوجبات المُضادة للالتهاب فتتميز بتوازنها واحتوائها على العناصر الغذائية الضرورية للجسم؛ والمتوفرة في الأكل الطبيعي غير المُعالج أو المُصنَّع، والطازج الذي يخرج من الأرض كلٌ في موسمه، وتعتمد مصادر الدهون والبروتينات على المصادر النباتية أكثر من الحيوانية، ومصادر الكربوهيدرات على الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه النشوية.

أطعمة يُنصح بتجنب الإكثار منها لتقليل الالتهاب وتقليل عوامل الأكسدة

  • السكر فقد ثبت تأثيره الكبير في زيادة معدلات الإصابة بأمراض الشرايين، ومقاومة الأنسولين الذي يتسبب في السكري من النوع الثاني، لذلك يُنصح بتجنب: المشروبات السكرية وعصائر الفاكهة المُحلاة بالسكر أو المُعلبة.
  • شراب الذرة عالي المحتوى من الجلوكوز أو ما يُسمى (High fructose corn syrup)، ويكون تحت أسماء متعددة مثل: شراب الذرة؛ سكر الفاكهة؛ الفركتوز؛ شراب الفاكهة. والمُستخدم في الكثير من المنتجات المُصنّعة لرخص سعره مثل: البسكويت والحلويات المُغلفة ومعظم منتجات الأطفال من مُقرمشات والرقائق والمُعجنات. 
  • المقليات والشيبس، والسمن الصناعي (المُهدرجة)، والزيوت النباتية المُعالجة (مثل زيت الصويا والذرة) المستخدمة في العديد من الأطعمة المصنعة، حيث قد يؤدي الاستهلاك المنتظم إلى خلل في نسبة أحماض أوميجا 6 إلى أوميجا 3 الدهنية (يُفضل أن لا تزيد النسبة عن 4 إلى 1)، والتي يعتقد بعض العلماء أنها قد تعزز الالتهاب، ويمكن أن يكون للإفراط في تناول اللحوم المصنعة آثار التهابية أيضا على الجسم.
  • اللحوم المُصنعة مثل اللانشون، والهوت دوج، والنقانق، والسلامي.
  • المُعلبات والأغذية المُغلفة، لما فيها من نسب عالية من الدهون المُشبعة، والمواد الحافظة، ومُكسبات الطعم واللون. 
  • المُعجنات والخبز الأبيض، والمكرونة، والحلويات لاحتوائها على السكر والدهون المشبعة والدقيق الأبيض.

أطعمة مضادة للالتهاب لتقوية جهاز المناعة

يُعتمد فيها على أطعمة غير مُعالجة (مُحتفظة بعناصرها المُفيدة)، وطبيعية طازجة كثيرة الألوان مأخوذة من الأرض، وغير مُصنعة بغرض زيادة مدة تخزينها أو إضفاء طعم أو قوام عليها.

قال لي: أعطني أمثلة.

قلت له: هناك أمثلة كثيرة على الأطعمة الطبيعية والغير مُصنعة لتقوية جهاز المناعة:

  • حبة القمح الكاملة كمثال للكربوهيدرات المُعقدة تتكون من ثلاثة أجزاء: القشرة الخارجية (الردة أو النُخالة أو Bran)؛ والغنية بالألياف والفيتامينات، والجنين (جنين القمح أو Germ)؛ الغني بالفيتامينات والمعادن، والجزء الداخلي الأبيض (السويداء أو Endosperm) الأقل فائدة وهو الذي يتبقى لنأكله كدقيق أبيض بعد المُعالجة.
  • اللحوم المُصنَّعة مثل النقانق واللانشون؛ تحتوي على نسبة عالية من الدهون الحيوانية، بالإضافة إلى الزيوت النباتية المُهدرجة، وتكون عالية المحتوى من أوميجا 6 وهي دهون رغم أهمية وجودها بنسب معقولة فإنه قد ثبت أن زيادتها لها علاقة بزيادة الالتهاب في الجسم.
  • أوميجا3 وهي الدهون الموجودة في الأسماك الدهنية مثل البوري والماكريل والسردين، وكذلك في بعض البذور مثل بذر الكتان وزيت بذر الكتان (الزيت الحار)، وبذور الشيا والكينوا، والمكسرات غير المُملحة، يُنصح بعدم تجاوز نسبة أوميجا 6 إلى أوميجا 3 عن 4 إلى 1، ولكنها تصل في النظام الغربي إلى 16 إلى 1 وهي نسبة خطيرة تُعرِّض للإصابة بأمراض الأيض الغذائي.
  • البروتينات يُنصح بتناول اللحوم الحمراء مرة واحدة في الأسبوع، ويُعتمد أكثر على الأسماك خاصةً الزيتية (1 – 2 أسبوعيًا)، والدجاج مرة أسبوعيًا، ويُفضل الحصول على البروتينات من المصادر النباتية مثل البقول (الفول، والحمص، والعدس، والفاصوليا واللوبيا…).
  • لا يستطيع الجسم إنتاج كل الفيتامينات والمعادن الهامة لعملياته الحيوية ومضادات للأكسدة، لذلك يجب الحصول عليها من الطعام، إذ تتوفر في: الفاكهة لا سيما الغامقة اللون (الفراولة والتوت البري والكرز والعنب)، بالإضافة إلى الموالح الغنية بفيتامين سي، والفواكه الدهنية مثل الأفوكادو والزيتون، والخضروات خاصةً البروكلي، واللفت، والبنجر (الشمندر)، والكرنب والقرنبيط، والبذور المُستنبتة مثل براعم البروكلي، والفلفل بألوانه يحتوي على فيتامين سي بكمية تساوي أضعاف ما هو في الموالح.
  • الزيوت الصحية مثل زيت الزيتون ولكن يجب تخيُّر النوعيات المعصورة على البارد، وزيت جوز الهند، وزيت بذر الكتان (الزيت الحار) ويمكن أيضًا إستخدام الزبدة البلدي.
  • التوابل مثل الكركم، والجنزبيل، والفلفل.
  • الشاي خاصةً الأخضر يحتوي على مضادات الأكسدة.
  • شرب الماء من 6 – 8 أكواب يوميًا.

قال لي: كل ما ذكرته جميل ومُتعلق بالغذاء ويمكن تطبيقه، ولكن ماذا عن العوامل الأخرى التي تساهم في المحافظة على صحتنا وتقوي جهاز المناعة؟

قلت له: أريد منك أن تُفكر في نمط حياتنا الحديثة؛ وما يترتب عليها ثم نلتقي مرة أخرى ونتحدث عن المحافظة على جهاز المناعة من خلال تغيير نمط حياتنا اليومية.

السابق
كيكة قوس قزح.. كيك هش بألوان جذابة
التالي
طريقة عمل الكسكسي المصري في المنزل